استقلال غزة أولا

تم نشره الجمعة 06 شباط / فبراير 2009 03:22 مساءً
د. عبد المهدي السودي*

حصلت على درجة الدكتوراه في الصراع العربي الإسرائيلي عام 1986 من جامعة كييل البريطانية. ودار موضوعها حول فهم أسباب فشل جميع الجهود السلمية السابقة لحل الصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية.
ولا زلت أتابع هذه الموضوع دراسة وبحثا حتى اليوم. وكمقدمة لهذا الموضوع أريد أن أذكر بالحقوق التاريخية والمسألة الديموغرافية للشعب الفلسطيني عبر تاريخ الصراع حيث تشير جميع المصادر الإحصائية والأبحاث العلمية تشير إلى أن المجموع الكلي للسكان في فلسطين هو 11 مليون نسمة نصفهم من الفلسطينيين والنصف الآخر من اليهود، وكما يلي: سكان إسرائيل 7 مليون (5.5 مليون يهودي و 1.5 مليون من عرب 48) و 5 ملايين فلسطيني يعيش 3.5 مليون منهم في الضفة الغربية و 1.5 مليون في قطاع غزة.) وتشير مختلف التوقعات والإسقاطات السكانية من مختلف المصادر بما فيها المصادر الإسرائيلية إلى أن نسبة السكان سوف تنعكس لصالح الفلسطينيين خلال العشرين سنة القادمة ليشكل الفلسطينيون 60% بينما ستتراجع نسبة السكان اليهود إلى 40%

ويشكل هذا الأمر الذي يشار إليه في إسرائيل بالقنبلة السكانية ضغطا هائلا على صانع القرار الإسرائيلي لقبول حل سلمي يقوم على أساس الدولتين، وبالتالي فان إسرائيل سوف تضطر للقبول بحل الدولتين ليس لقناعتها به أو حبها للفلسطينيين بل لان في ذلك مصلحة إستراتيجية لإسرائيل.

والغريب في الأمر أن حل الدولتين الذي يطالب به الفلسطينيون والعرب والمجتمع الدولي من ورائهم إنما يخدم المصالح الإسرائيلية أكثر من الفلسطينية. لا بل أنها المرة الأولى في التاريخ بعد تجربة الولايات المتحدة الأميركية ينجح فيها مستوطنون أجانب غالبيتهم من الأوروبيين في احتلال ارض شعب آخر هو الشعب الفلسطيني وتحويلها إلى دولة لهم بعد تشريد أهلها على الرغم من كل الحقائق الثابتة في الصراع التي تؤكد على أن مجموع الأراضي التي استطاع المستوطنون الصهاينة شرائها في فلسطين لا تزيد عن 7% من مجموع أراضي فلسطين حتى قيام إسرائيل في عام 1948

ويتباكي العرب اليوم ومعهم السلطة الفلسطينية والعديد من الدول الغربية والقوى العظمى ويتوسلون لدى إسرائيل لتقبل بحل الدولتين. والسؤال الذي نطرحه هنا هو من يملك حق التنازل عن أي شبر من فلسطين لإعطائه لمجموعة من الغزاة والمستوطنين لإنشاء دولة مارقة لهم في قلب العالم العربي والإسلامي؟
نحن نتفهم مسألة التوازنات والمصالح المرحلية المعادلات السياسية والعسكرية وربما نقبل بالسلام من ناحية مبدئية لأننا جربنا الحرب وذقنا مرارة الهزائم العسكرية التي لم يكن لجيوشنا ذنب فيها لأنها حدثت نتيجة لاختلال الميزان العسكري لصالح إسرائيل المدعومة من القوى الاستعمارية الغربية مقرونا بتخاذل بعض الحكومات العربية عن إعداد العدة اللازمة للحرب.

ويجب أن لا يفهم أن مثل هذا القبول بالسلام المرحلي أو الهدنة المؤقتة هو بمثابة التنازل النهائي عن أي جزء من فلسطين لأنه لا يوجد أي شخص أو جهة مخولة بالتوقيع على مثل هكذا تنازل باعتبار فلسطين ارض مقدسة لا بل ووقفا لكل العرب والمسلمين. وبناء على ذلك فأنني اعتقد ألا مانع من أن تقوم حماس بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية بالمطالبة باستقلال غزة أولا وبذلك تعطي السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية فرصة كافية لمحاولة تحقيق حل الدولتين عن طريق التفاوض.

واعتقد أن مطالبة حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية ودول الممانعة العربية فتح المعابر مع إسرائيل واعتبار فتح المعابر احد شروط التهدئة مع إسرائيل هو من الأمور الخاطئة. ولا اعتقد أن الكثير ممن يدعمون هذه المطالب يفهم معناها أو مغزاها.
فإسرائيل تتوجه للعالم بالقول أنها أنهت احتلالها وأخلت جميع مستوطناتها وسحبت جميع قواتها من غزة أي أن قطاع غزة بالمفهوم الإسرائيلي لم يعد أرضا محتلة أي مستقلا استقلالا تاما.

ونسمع كل يوم تصريحا لأحد قادة إسرائيل بأنهم رحلوا عن قطاع غزة ولم يعد لهم أي علاقة بالقطاع ويلومون حماس لاستمرارها بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وتسوق إسرائيل هذه المقولة بخبث ودهاء لجميع دول العالم وتقول لهم أن ما تقوم به إسرائيل هو دفاع مشروع عن النفس وهي لا تقوم بأكثر من الرد على صواريخ حماس. وقد رددت إسرائيل هذه المقولة مرارا وتكرارا خلال عدوانها الأخير على غزة وادعت أن ليس لها مطامع في القطاع لا بل أنها انسحبت منه ولا تفكر بالعودة لاحتلاله وليس لها أي عداوة مع سكانه وكل ما تريده هو أمن وسلامة مواطنيها. كما تدعي اليوم أن الحصار ما هو إلا إجراء مؤقت هدفه الوصول إلى تهدئة دائمة وردع حماس من إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
والسؤال الذي يطرح هنا هو هل قطاع غزة من الناحية القانونية لا يزال أرضا محتلة أم أرضا محررة؟ فلماذا لا تأخذ حماس التصريحات الإسرائيلية بإنهاء احتلالها للقطاع وتطالب العالم بالاعتراف باستقلال القطاع واعتباره منطقة محررة وتطالب بإغلاق كل المعابر مع إسرائيل وقطع كل علاقة للقطاع بإسرائيل بدلا من المطالبة بفتحها؟ لماذا لا تعلن حماس في المفاوضات الحالية أنها تريد اعتراف إسرائيل والعالم باستقلال قطاع غزة مقابل تهدئة دائمة وفتح معبر رفح ومعابر بحرية وجوية مستقلة للقطاع؟
أي لماذا لا تطالب باستقلال غزة أولا تحت إدارة حماس وبقية فصائل الممانعة لتكون نموذجا لاستقلال الضفة الغربية.
واعتقد أن استقلال غزة أولا سوف يقدم مخرجا لحماس والسلطة الفلسطينية للانتهاء من دوامة الصراع والاتهامات المتبادلة حيث يعطي هذا الحل حماس فرصة لإعادة إعمار غزة وتنمية القطاع ليكون نموذجا إذا ما نجح لما يجب أن تكون عليه الدولة الفلسطينية المستقبلية بينما يعطي السلطة الفلسطينية وإسرائيل والمجتمع الدولي الفرصة لاستكمال محادثات السلام وتحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تحت الرعاية الأميركية والدولية التي يجب أن تشمل عند إنشائها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
كما قد يساعد هذا الاقتراح في إنهاء حالة الاستقطاب العربية وانقسام الدول العربية بين مؤيد لأطروحات حماس وآخر لوجهة نظر السلطة الفلسطينية. كما انه يساهم في إحراج إسرائيل والإدارة الأميركية والعالم وينزع منهم الحجة والذريعة التي تقول بأن الانقسام الفلسطيني هو السبب وراء جمود عملية السلام وتهرب إسرائيل من استحقاقات إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة.

* أستاذ علم الاجتماع السياسي ودراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأردنية



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات