لعبة الكفالات المصرفية

سـيء الذكر أحمد الجلبي، الذي كان رئيسـاً لبنك البتـراء، كان ذكياً جـداً. وكان ذكاؤه مكرسـاً للشر والفساد. وقـد ابتدع طرقاً للتحايل على البنك المركزي الذي كان مفتشـوه يطالبون بأخذ احتياطات لديـون من الواضح أنه لا أمل في تحصيلها.
عندما يطلب البنك المركزي من بنك البتراء الاعتراف بأن الدين المطلوب من عميـل معين غير قابل للتحصيـل ويجب اعتباره خسـارة، كان الجلبي يستدعي العميل غير القادر على السداد، ويطلب منه اسـتدانة مبلغ مماثل من بنك آخـر، بموجب كفالـة مصرفية يصدرها بنك البتـراء، ويستعمل الحصيلة لتسديد قرض بنك البتراء، وبذلك ينتقـل التزام العميل الرديء من الجاري مدين، الذي يمثل تسهيلات مباشرة، إلى الكفالات وهي التزامات غير مباشرة وتعتبر طارئة. وعند ذلك يصدر رد البتراء على المركزي بالقـول: إن الدين الذي يقول المفتشـون أنه رديء قد سـدد نقداً!.
عند تصفية البنك – بعد خـراب البصرة- كانت الخسائر في الكفالات أسـوأ من الخسـائر في الديون الصريحة، ذلك أن معظمهـا كانت كفالات دفع، أي لمجرد تأجيل الاعتراف بالخسـارة وإدخالها في القيـود.
لعبة بنك البتراء معمول بها حالياً، فالحكومة تستعيض عن دفع الخسائر نقـداً لمؤسسات القطاع العام، خاصة إذا كانت ناشـئة عن قرارات حكومية مثل الدعم وتثبيت الأسعار، بتقديم كفالـة مصرفية توفر لتلك المؤسسات نقـوداً لدفع التزاماتها دون أن تحتاج الخزينة لأن تدفع مالاً أو تعتبر المبلغ ضمن النفقـات العامة.
هـذا الأسلوب يحقـق ميزة إضافية وهي التأجيل فالحكومة تسـتطيع أن تدعم الكهرباء دون أن ترتفع نفقات الموازنة العامة، لان الكفالة لا ترد في الموازنة، وسيتم تسـديدها في المستقبل ضمن موازنة التمويل، أي بدون المرور على بند النفقـات. الأمر الذي يفسر كون المديونية ترتفع بمبالغ تزيد عن العجـز.
الكفالات التي تصـدرها الحكومة لصالح بنـوك هي اتفاقيات ترتب على الدولة تكاليف معينة بشـكل فوائد، وتحتاج دستورياً للصدور بموجب قانون يجيزه مجلس النواب، ولا يكفي قرار مجلس الوزراء. ينطبق ذلك على كفالات الحكومة لصالح سـلطة المياه أو شـركة الكهرباء الوطنيـة أو شركة مـوارد، أو صنـدوق المشاريع التنموية والاستثمارية وغيرهـا.(الرأي)