سكان الصحراء وسكان البحر

ابتداء ان غالبية الاردنيين والفلسطينيين ليسوا من سكان البحر ولا من سكان الصحراء, فهم جبليون خاصة الاردنيين, فالقسم الاعظم من الكتلة الفلسطينية كانت تتركز في سلسلة الجبال الغربية لفلسطين خاصة جبل الخليل.
اما الغالبية الساحقة من الاردنيين فهم سكان المنحدرات الجبلية, الممتدة أفقيا بين نهر الاردن وغرب السكة, وعموديا من هضبة الرمثا الى هضبة الشوبك مرورا بجبال عجلون وجلعاد والشراه "الكرك والطفيلة" وقد ولدت شخصيا في قرية في الكرك محاطة بالينابيع والبساتين منذ مئات السنين.
وعندما يعرف الاردن بالدلالة الصحراوية فهو تعريف سياسي مقصود يتناقض مع الاردن التاريخي وهو "الكاردور" الجبلي المذكور, الذي أضيفت له الصحراء الشامية بعد الاعلان عن تأسيس الإمارة 1921 وكانت نسبة سكان هذه الصحراء ولا تزال اقل كثيرا من نسبة سكان البدو الفلسطينيين الى الحضر في فلسطين, بل انه من بين البلاد الشامية كلها "سورية, فلسطين, لبنان, الاردن" فان نسبة البدو اعلى ما تكون في الجزء الجنوبي من سورية وهو فلسطين, وهو امر مشرف في كل الاحوال ...
ومن المفاجئ للبعض ان طرح هذه المقاربات, بين الحين والحين, بدو اردنيون وحضر فلسطينيون, هو استنساخ صهيوني مشبوه حيث روجت الحركة الصهيونية لمشروعها الاستعماري الاستيطاني تحت شعار "يهود متحضرون وبدو فلسطينيون" ...
هذا عن المقاربات المشبوهة التي يسوقها عملاء الموساد ونشطاء التمويل الاجنبي ومرتزقته, اما المقاربات الانثروبولوجية فتذهب عكس ذلك تماما ... فسكان الصحراء وسكان البحر "أولاد عم" معرفيا وثقافيا ووجدانيا واجتماعيا ويختلفون عن السكان الجبليين والفلاحين الذين يعيشون حول الانهار والوديان.
فأبن يافا او حيفا اقرب في ثقافته الى ابن اي قبيلة صحراوية من ابن أية قرية او مدينة فلسطينية .. ويفترض ان نعود الى هذه التقسيمات: سواحليون, حضر من بلاد الشام بدلا من التقسيم الاستعماري والصهيوني, اردنيين وفلسطينيين ...
فالمشترك بين ابناء الصحراء وابناء البحر انهم جميعا ينتمون الى الثقافة القمرية الليلية وانماط الانتاج والحياة الاقتصادية والمعايير الثقافية المرتبطة بها. فالارض بالنسبة لهم متغير فيما السماء هي الثابت وهم جوابون متحركون دائما ويشتغلون بالتجارة بعيدة المدى او يحرسون طرقها او ينهبونها "قطاع الطرق في الصحراء والقراصنة في البحار" وليس بلا معنى ان يطلق البدو على الجمل سفينة الصحراء, وان يشتركوا في الايقاعات الموسيقية نفسها وفي روح المغامرة وقيم اخرى معروفة ... وليس بلا معنى ان ما بين الرمال والكثبان ما بين ذرات الماء والمطبات "المائية" وكذلك تأثير الرياح والمد والجزر وعلاقته بالاطوار القمرية ...
وبالمقابل, فان للجبليين والفلاحين ثقافتهم ومعاييرهم, الارض الثابتة ونمط الانتاج الزراعي ودور الشمس والنهار في ذلك ... وفيما ارتبطت الديانات والايديولوجيات التوحيدية السماوية بسكان الصحراء والبحر, ارتبطت الديانات التموزية ومنها المسيحية بالفلاحين والشعوب النهرية والتقويم الشمسي .(العرب اليوم)