الثورة السورية و«مسيحيو الشـرق»

تم نشره السبت 10 أيلول / سبتمبر 2011 01:05 صباحاً
الثورة السورية و«مسيحيو الشـرق»
عريب الرنتاوي

القلق من تداعيات الأزمة السورية على المستقبل والمصير، لا يصيب مسيحي سوريا فحسب، بل ويمتد بشكل خاص إلى لبنان، وإلى مسيحيي المشرق بعامة...ولهذا القلق ما يبرره، ولا يجوز تحت أي مبرر أو ذريعة، تجاهله أو التقليل من شأنه، أو تحويله – أحيانا – إلى ذريعة للانقضاض عليهم...وفي هذا السياق، يجدر تأمل ما يقوله البطريريك الماروني بشارة الراعي حول هذه المسألة.

يخشى «البطرك» على مسيحي سوريا من مصير مماثل للمصائر التي آل إليها مسيحيو العراق: قتل وتشريد وإحراق كنائس وتفخيخ أديرة...القوى التي فعلت ذلك في بلاد ما بين النهرين، لها ما يماثلها ومن يمثلها، في بلاد الشام، وهي وإن كانت ذات حضور أقل في المشهد السوري حتى الآن، قياساً بحضورها العراقي السابق، إلا أن أدوارها في تنامٍ مستمر، يوماً بعد آخر، حتى أن الرئيس الروسي ميدفيدف تحدث شخصياً وعلناً، عن «اختراقات» أصولية إرهابية للثورة السورية.

ويمتد قلق «البطرك» إلى لبنان، فهو يحذر من «حلف سني» يحكم البلدين المرتبطين بوحدة المسار والمصير: سوريا ولبنان، يستقوي به سنة لبنان على شيعته، إن قُدر للنظام السوري أن ينهار وأن يأتي بدلا منه، نظام حكم إسلامي، بطبعة إخوانية أو غير إخوانية...إن حصل ذلك، وقع الاستقواء، وانزلق لبنان إلى أتون مواجهة (حرب) مذهبية، سوف تجرف المسيحيين إلى خنادقها في نهاية المطاف، مهما استمسكوا بأهداب «حيادهم الإيجابي».

«البطرك» كسَلَفِه، لم يكن يوماً «سوري الهوى»، إلا أنه بخلاف سلفه، يتبنى نظرة لمسيحيي الشرق، تتجه بهم للتكيف مع بيئتهم والاندماج بها والتعايش معها، بدل النظرة المتطرفة التي تبنّاها البطريريك صفير، والتي جعلت منه، رأس حربة ضد سوريا وحزب الله، وامتدادا «روحيا» لسمير جعجع وقوى 14 آذار...الصرح البطريركي يعيد قراءة المشهد اللبناني والإقليمي بعد انتخاب البطرك الجديد، وهو في قراءته الجديدة، يبدو أكثر توازناً وانفتاحاً واعتدالاً....أحدث العلامات اللافتة في موقف البطرك الجديد، ربطه مصير سلاح حزب الله بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا اللبنانية المحتلة، والأهم، تمكين الفلسطينيين في لبنان من ممارسة حقهم في العودة إلى وطنهم.

مواقف الكنيسة المارونية هذه، جاءت لتعزز مواقف تيار نافذ في أوساط مسيحيي لبنان، التيار الوطني الحر (العوني)، الذي يتبنى عموما نظرة شرقية (وليس استشراقية) للمسألة المسيحية، يرفض استعداء سوريا برغم التاريخ الدامي لعلاقته بها...يرتبط بـ«حلف فضول» مع حزب الله، ويرى مستقبل مسيحيي المنطقة بالتعاون والتعايش مع أهلها وشعوبها وطوائفها ومذاهبها، من إيران إلى سوريا، مرورا بتركيا ومصر وما بينها من ألوان وأقطار وخصوصيات وحساسيات.

أما التيار النافذ الثاني في أوساط المسيحيين اللبنانيين (الكتائب والقوات)، ومن موقع تحالفه مع الحريري والمستقبل، ومن خندق العداء لسوريا واستعداء حزب الله، فقد حمل على مواقف الكنيسة، وربط مصير المسيحيين في سوريا والمنطقة، بمصير الثورة السورية، لا بمستقبل النظام السوري، متسائلاً عن «الحكمة» في ربط مصير المسيحيين بمصائر نظم توتاليتارية كنظام بشار الأسد...إلى غير ما هنالك من أطروحات يخالف باطنها ظاهرها، الأخير فيه الرحمة والأول فيه العذاب.

وإننا حقاً، لنجد صعوبة في «تصديق» أطروحات هذا الفريق عن «ثورة المسيحيين» أو «المسيحيين في الثورة السورية»...لسبب بسيط هو أن هذا الفريق سبق له وأن ربط مستقبل مسيحيي لبنان بإسرائيل، ودشّن أوقح صفحات التعاون والتنسيق الأمني والعسكري مع تل أبيب، وخاض حرب لبنان الأهلية، بدعم من إسرائيل، ماديا وسياسيا وتسليحيا...هذا الفريق من مسيحيي لبنان، لديه هدف واحد فقط، ومن أجل تحقيقه يبدو كل شيء مبرراً، حتى التعامل والعمالة، أما الهدف فهو ضرب المقاومة الفلسطينية ابتداء والحركة الوطنية اللبنانية ثانياً، والمقاومة اللبنانية في نهاية المطاف، فإن تم ذلك بالتحالف مع سوريا (كما حصل في حرب السنتين 1975- 1976) كان به، وإن استلزم تحقيق الهدف، استدعاء إسرائيل (كما في حرب الاجتياح والحصار 1982)، فلا بأس.

الجدل في أوساط مسيحيي لبنان وسوريا والمنطقة، ينبغي أن تُصغي إليه مختلف القوى والفاعليات الأساسية..وبالأخص الحركات الإسلامية التي تضطلع بدور قيادي في إدارة دفة الثورات العربية (السورية بخاصة)...لا يكفي ترديد بعض المواقف العمومية والأمثلة التاريخية، القديمة والحديثة، التي باتت ممجوجة لفرط تكرارها...المطلوب خطاب سياسي، مشفوع بممارسة عملية، تبعث الطمأنينة في نفوس هؤلاء...وتقطع الطريق على أي احتمال لإعادة انتاج «سيناريو العراق» الدامي في سوريا...جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، مطلوب منها دور مضاعف في هذا السياق، لأنها أكثر الحركات الإسلامية المشرقية عقلانية من جهة ولأنها صاحبة النفوذ الكبير في حراكات الشارع الشبابية والاجتماعية من جهة ثانية...لكننا من أسف، لا نرى الجماعة تبذل جهداً مناسباً لتبديد المخاوف والأوهام والصور النمطية، وبدلاً من ذلك نرى بعض كتابها والناطقين باسمها، يشنون هجوماً على مواقف الأقليات من الثورات، لكأن مخاوف هذه الاقليات لا قيمة لها ولا مبرر لوجودها، أو لكأنه لم تجر دماء كثيرة من عروق المسيحيين في العراق، بالأمس القريب، وحتى اليوم، وربما غداً كذلك، فالمسلسل لم تكتمل حلقاته بعد.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات