عن 11 سبتمبر ... من زاوية أخرى

في الذكرى العاشرة لـ»غزوة منهاتن»، تذهب معظم الكتابات لقراءة حصاد عقدٍ من «الحرب على الإرهاب»...أين انتهت القاعدة، خصوصا بعد رحيل مؤسسها وزعيمها العملي والروحي...ما الذي تغير في الولايات المتحدة على شتى الصعد والمستويات...وما الذي طرأ على قواعد اللعبة الدولية من تبدلات وتغيرات...قلة قليلة قاربت الحدث من منظور «مستقبل الديمقراطية في المنطقة» وبرغم انبلاج شمس «الربيع العربي».
حربان، أو بالأحرى ثلاث حروب كونية، خاضتها واشنطن في إثر «الحادي عشر من سبتمبر» وكنتيجة له...حرب على افغانستان لتأديب طالبان واستئصال شأفة القاعدة...حرب على العراق بذريعة صلاته بالقاعدة وامتلاكه أسلحة دمار شامل...وحرب مفتوحة في مختلف الساحات والميادين تحت شعار «الحرب على الإرهاب».
عشر سنوات مضت، ولم تضع أي من هذه الحروب أوزارها بعد...تعددت الساحات والميادين...اختلفت الشعارات والأهداف...تعاقبت الائتلافات وتبدلت التحالفات...ملايين القتلى والجرحى والأسرى والمشردين والمهجرين، وتريليونات الدولارات....فيما الستارة لم تسدل بعد، على المشهد الأخير لهذه المسرحية الدامية والمكلفة.
من بين أهم «الدروس» التي خرجت بها واشنطن مباشرة بعد الحرب، وجواباً عن سؤال «لماذا يكرهوننا؟»، ذاك الذي ربط ما بين غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط ونمو الإرهاب فيه...وفي هذا السياق لقيت مصر والسعودية وعدد آخر من دول المنطقة والإقليم، ما لقيت من عناية الباحثين واهتمام الدارسين...ورفعت الإدارة الأمريكية، ومن خلفها حلف دولي واسع وعريض، شعار «نشر الديمقراطية» في المنطقة، بدءاً بالعراق، ولخصت كوندوليزا رايس المسألة بشعارها الأشهر: نحو شرق أوسط جديد.
لقد جاءت السياسات الأمريكية «المُترجمة» لهذا الشعار، مخيبة للآمال بصورة كاملة...العراق الذي كان مفترضاً به أن ينهض بدور «الرافعة الكبرى» لنشر الديمقراطية، صار مثالاً للانقسامات والاحترابات الأهلية و»الفوضى غير الخلاقة»، وبدل أن يوفر النموذج الجاذب لشعوب المنطقة، والملهم لقواها الحية والمناضلة في سبيل الإصلاح والديمقراطية، بات يُستحضر، وغالباً من قبل «المعارضات» و»نظم الفساد والاستبداد» سواء بسواء، على أنه «المصير الصعب» لكل شعب أو مجتمع يفكر، مجرد تفكير» في الانتقال نحو الديمقراطية، أما الديمقراطية في افغانستان، فتفضحها هشاشة الوضع القائم وفساد النظام وعودة طالبان للعب دور أساسي مقرر على مسرح الأحداث.
أما عن حصاد الحرب على الإرهاب، فلم تكن حصيلة السنوات العشر الفائتة، سوى سلسلة من السياسات والتحالفات والممارسات، التي أطالت في أعمار من رأت واشنطن أنهم جزء من المشكلة بدل أن يكونوا جزءا من الحل...والأنظمة التي حملتها الولايات المتحدة، وزر الحادي عشر من سبتمبر، باتت مفتاح الأمن وضمانة الاستقرار والسد المنيع في وجه القاعدة و»الإرهاب الإسلامي»...لقد كانت «الديمقراطية وحقوق الإنسان» في صدارة لائحة الضحايا المباشرين لحرب واشنطن على الإرهاب».
ولعلها من سخرية الأزمان والأقدار، ألا ينقضي العقد الأول على «الحادي عشر من سبتمبر» قبل أن تشهد المنطقة العربية سلسلة من أهم ثوراتها الشعبية في تاريخها القديم والمعاصر...وهي ثورات اندلعت واجتازت الحدود في أوضح تجسيد لمبدأ الدومينو، من دون معرفة واشنطن ولا مشاركتها، بل وفي كثير من الساحات، بالضد من رغباتها وبالاعتراض على سياساتها.
صحيح ان ثورات «الربيع العربي» لم تحرق الأعلام والصور الأمريكية..وصحيح أن بعضها لقي دعماً مباشراً من الولايات المتحدة، بعد أسابيع من اندلاعها باهظ الكلفة...لكن الصحيح أن ثورات الكرامة العربية، استهدفت بالأساس، إعادة تقييم وتقويم العلاقات العربية الأمريكية،، برفض التبعية والاستتباع، برفض الانخراط المُذل في أوحال الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة...لقد نظرت الشعوب العربية إلى حكامها الذين انتفضت عليهم وطالبت برحيلهم، بوصفهم سدنة المصالح الأمريكية في المنطقة، الذين لا يترددون عن تقديم كل عون وإسناد لها، نظير بقائهم في مواقعهم، وضمان انتقال السلطة في بلدانهم وفقاً للأقنوم غير المقدس: التجديد والتمديد والتوريث.
أما اليوم، وفيما نحن نودع العقد الأول على أحداث سبتمبر، فإن المشهد الإقليمي العام ينطوي على مفارقة غريبة وعجيبة...العراق القريب وأفغانستان البعيدة، الدولتان اللتان خضعتا للاحتلال الأمريكي المباشر تحت شعار نشر الديمقراطية، تبدوان في آخر قائمة الدول المتحوّلة نحو الديمقراطية...فيما الدول التي شقت طريقها بنفسها، وبالاعتماد على شعوبها وقواها الحية، تمضي قدماً على هذا الطريق، وإن بكثير من التعثر ومشكلات مرحلة الانتقال.
والذكرى العاشرة للحادي عشر من سبتمبر، تعيدنا إلى فيض من الكتابات الأمريكية حول «عراق ما بعد صدام»...سبقت الحرب على العراق ورافقتها وأعقبتها في سنيّها الأولى...يومها كان الحديث يدور عن نظرية بناء الأمة «Nation Building Approach»، يومها كانت الأمثلة التي تُستحضر لوصف «عراق الغد»، تراوح ما بين ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية ونمور آسيا...لكن تجربة بريمر – تشيني في العراق، أظهرت أن ما كان يجري على الأرض، هو نقيض ما كان يكتب في «أوراق السياسات» ويقال في الفضاء وعلى الفضائيات...أظهرت أن «تفكيك العراق» وإعادته إلى عصر ما قبل الصناعة، هو الهدف الأول وربما الأخير... وغني عن القول، ان الديمقراطية وحقوق الإنسان، لم تكن أبداً محركاً من محركات هذه السياسة، أو هدفاً من أهدافها.
في الذكرى العاشرة للحادي عشر من سبتمبر، ما أحوجنا لاستعادة الدرس العراقي، الذي ربما يسعى البعض الى إعادة انتاجه في بعض ساحات «ربيع العرب»، وبالأخص في سوريا وليبيا، حيث تطل من ثنايا بعض المشاريع والأفكار والممارسات صورة «بريمر» وإرهاصات «العرقنة»، فالحذر الحذر.(الدستور)