مسألة نزاهة نيابية

على مدى العشرين سنة الأخيرة من العمل النيابي بذل النواب جهوداً كبيرة من أجل تحقيق امتيازات خاصة بهم, منها زيادة الرواتب وتحسين التقاعد والإعفاء من جمارك السيارات وامتلاك خطوط باصات وتحصيل إعفاءات طبية للأنصار والناخبين وكوتات الحج النيابية ثم الحصول على مبالغ مالية يمكنهم توزيعها على ناخبيهم وغيرها. وبالمحصلة تشكل للنواب تاريخ من القبض والصرف غير الرسميَين, وهم دوماً اعتبروا ما حصلوا عليه حقاً مكتسباً لا يجوز التراجع عنه تحت التهديد بتحسين مستوى العمل التشريعي والرقابي وحضور كل الجلسات وزيادة عدد الاستجوابات وغير ذلك من امكانات ضغط كامنة.
والمجلس الحالي لم يشكل استثناء, بل كانت التوقعات تشير إلى إبداعات جديدة منذ لحظة منح الثقة الخاصة لحكومة سمير الرفاعي.
بعد سقوط تلك الحكومة وتبدل المزاج العام الشعبي والرسمي, أتقن المجلس إدارة المرحلة "الانتقالية" واستوعب الهجوم الشعبي غير المسبوق الذي تعرض له من قبل أوساط واسعة شعبية ورسمية حكومية وما فوق حكومية, وعمل ولا يزال لاستعادة الثقة, وبعض النواب بذل جهوداً فردية لتحقيق الهدف على المستوى الشخصي.
في هذا السياق يمكن فهم تفجير النواب لمسألة المبالغ المالية التي تلقاها أغلبهم مؤخراً, والتي شكلت في الماضي واحداً من انجازاتهم. لقد استغل النواب سلوكاً حكومياً "اعتيادياً" (بالمعنى النيابي والحكومي), واستثمروه استثماراً جيداً وبشكل غير مكلف بالنسبة لهم.
لا يمكن اعتبار سلوك الحكومة "غلطة شاطر" لأننا لا نشهد الكثير من الشطارات الحكومية. غير أن هناك الآن اقتراحاً برغبة, وهو أن تعتبر الحكومة موقف النواب الأخير حقاً مكتسباً لكل الحكومات تبني عليه في المستقبل سياسة ثابتة خالية من الأعطيات الكبرى والصغرى وذلك استجابة لحرص النواب على الأداء النزيه.(العرب اليوم)