رسالة إلى شباب الثورة في ليبيا

تحية إكبار وإجلال إلى شباب الثورة المجيدة في ليبيا, من كل شباب الأمّة العربية والإسلامية التواقة إلى الحرية والكرامة, والانعتاق من العبودية لأنظمة التسلط والفساد, وأنظمة القمع والإذلال.
لقد أنجزتم المهمّة العظمى والأخطر عندما خلصتم الشعب الليبي من الطاغية المستبد المتلفع بأغطية العروبة وشعارات "القومجية", التي تخفي في أروقتها أبشع أنواع العمالة والارتهان للأجنبي, والذي سطا على أموال الشعب الليبي ومقدراته لينفقها على عصابات التمرد والمافيا في معظم دول العالم, فلكم كل الشكر وعظيم التقدير, والرحمة للشهداء الأبرار, والدعاء للمصابين بالشفاء العاجل, والتوفيق لكل أبناء الشعب الليبي في البناء والوحدة والإنجاز.
لقد طويتم صفحة مظلمة قاتمة من تاريخ ليبيا العربية المسلمة الحرّة, والآن أنتم بصدد فتح صفحة جديدة مشرقة لأبناء ليبيا وشعبها العظيم, ولذلك لا بد من العناية والحذر من أن تكونوا أسرى للماضي وأسرى للمرحلة المنصرمة, وينبغي أن تنظروا إلى المستقبل بكل مقومات الجد والاهتمام والتفكير والعمل والتخطيط والتنفيذ, وهذا الأمر الجليل يتطلب مجموعة من القواعد المهمّة الكفيلة بنجاحكم وتفوقكم في تحقيق أهدافكم, منها:
- الحرص على وحدة الشعب الليبي بجميع مكوناته وآرائه المختلفة, ويجب البعد عن كل ما يثير الفرقة والتنازع, وهذا يقتضي التخلّق بخلق الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم الذي اتسم بالحلم وسعة الصدر والاستيعاب والتغاضي عن أخطاء الماضي, والبعد عن أعمال الثأر والانتقام والحقد والضغينة, فالشعب الليبي أهلكم وعزوتكم حتى لو أخطأ بعضهم, ولذلك كانت عبارة الرسول العظيمة: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
- الحرص على المضامين الصحيحة, والجوهر الحق لمسائل البناء والإعمار والاستقرار لدولة ليبيا الحديثة المتطورة, بعيداً عن الشكليات, والتمسك بالقشور, وانظروا إلى كبريات الأمور وأعظمها وتجنّبوا الصغائر منها, وانظروا بعين البصير بعيد النظر, الذي يرنو إلى المستقبل البعيد البعيد, ولا تلتفتوا إلى قصار النظر الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم; لأنّ أخطاءكم سوف ترتد على كل مسار ثورة النهوض العربي.
- لا بد من الأخذ بسنّة التدرج, والعمل الهادئ, بعيداً عن الإثارة والاستفزاز, واعلموا أنّكم في مرحلة انتقالية تحتاج إلى رويّة وتفكير عميق; لأنّ العيون كلها ترنو إليكم, والعالم كلّه ينظر إليكم ويراقب أخطاءكم, ويرصد تجربتكم الغضّة, وابتعدوا عن الوقوع في أخطاء التسرع والتعصب والتطرف والإعجاب بالرأي واحتقار الرأي الآخر.
- يجب الاستعانة بكل طاقات الشعب الليبي, وينبغي تسخير كل الإمكانات المتوافرة دون تمييز أو محاباة, ويجب أن يشعر كل الشباب وكل النساء أنّهم شركاء في بناء وطنهم وشركاء في الغُنْم والغُرمْ, ويجب أن لا يشعر أحد أو فئة أنّها مستبعدة أو مهمّشة, وعند ذلك لا تفترقون عن تصرفات النظام البائد, وارفعوا شعار "الحكمة ضالّة المؤمن".
- يجب توخي العدالة, وإرساء معالم الحق, وتحقيق المساواة في كل ما يجب تحقيقها, لا فرق بين عربي وعجمي, ولا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي, ولا فرق بين إسلامي وعلماني; لأنّ الحق لا يعرف هذه التصنيفات وهذه الانتماءات.
- يجب أن تعلموا أنّ الإسلام دين الحريّة, بقول سيدنا عمر رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً); ولذلك يجب البعد عن أي مظهر من مظاهر القهر والتسلط, ويجب البعد عن استعمال القوة في الإكراه في مسائل الاعتقاد والفكر, والرأي والعمل, والتنقل واللباس, وكل مسائل الحريات الشخصية, فالله عزّ وجلّ يقول من عليائه }لا إكراه في الدين{, وعندما يسمح للإنسان أن يدين بأي دين يخالف العقيدة الصحيحة, فمعنى ذلك أنّه لا يجوز الإكراه في كل مسائل الفكر والعمل والتنقل, وجميع الحريّات الأخرى.
- أنتم الآن بصدد الإعلان عن قيام دولة ليبيا المدنية الديمقراطية الحرّة الحديثة المتطورة ذات المرجعية الإسلامية, وضمن هويتها الثقافية الحضارية المستمدة من تراث الأمّة الإسلامي العروبي الخالد, والفكر السامي النبيل المتقدم على كل ما عرفه العالم الحديث, وينبغي تأجيل المسائل الخلافية; ففي الوقت مستع, واعلموا أنّ القرآن نزل منجماً مفرقاً متدرجاً عبر ثلاثة وعشرين عاماً, وهنا موطن الحكمة الحقيقية.(العرب اليوم)