ثوار آخر زمن

لم تسعف النهاية الدموية المبكرة الشاعر طرفه بن العبد للتأكد مما ستظهر له الايام مما كان جاهلا, لكن حكيم العرب, القس بن ساعده كان اكثر جلاء لما يرى من تطفل واختراق نشطاء الثورة الملونة بمقاييس عصره لحراك العرب في تلك الايام, ومن ذلك تحذيره من حرب يختلط فيها الشجعان بالجبناء بل ويجرؤ جبانها ويتردد شجاعها.
وبين تلك الايام وهذه الايام يشتد الهرج والمرج في الشارع العربي.. والكل يدعي وصلا بليلي (الشعب) او يغني على ليلاه..
ومن اخبار المصريين مثلا وكما اختلط الحابل بالنابل في الفسطاط القديمة كما يخبرنا الجبرتي, تعيد القاهرة والحراك فيها سيرتها الاولى فما بدا خيطا ابيض بعد سواد طويل, لم يتضح بياضه حتى الان ولا يزال الفرز في اوله, فالسوس قد يكون اكثر بياضا من ارز النيل, وكل نهر وساقيه من المحيط الى الخليج..
وعلى ما يروي الاخباريون الجدد من ميدان التحرير وكل الميادين والدواوير وساحات النخيل ثمة شجعان ومناضلون حقيقيون تعرفهم من شعاراتهم: الحرية مع الخبز مع مقاومة التطبيع ومقاومة عملاء الامريكان والسفارات والتمويل تارة باسم حقوق الانسان وحرية الصحافة وتارة باسم الدساتير...
بالمقابل, لو دقق اي مواطن في اي بيان او نشاط للمتطفلين على الثورات لكان سهلا عليه فرزهم ومعرفتهم ايضا. فجلدهم وجلد صحافتهم وشعاراتهم وموائدهم يميل غالبا الى اللون البرتقالي, اللون المفضل لدى المخابرات الامريكية منذ ثوراتها الملونة في الساحة الحمراء واوكرانيا وتشيكوسلوفاكيا قبل ان تصبح دولتين, والحبل على الجرار مثل كل الدول التي اصابها ذلك الفيروس وراحت تتمزق يوما بعد يوم.
واذا بدا الجلد المذكور باهتا لسبب او اخر فالبثور تلوح كالوشم على ظاهر اليد: مطبعون زاروا العدو (من باب الاشتباك الفكري) او من ابواب اخرى.. ونشطاء مراكز التمويل الاجنبي والسفارات... وليبراليون جدد وافدون من اليسار الانتهازي او الاجهزة العربية او الاسلام البرتقالي المغرم بالتجارب الماسونية للتعديلات الدستورية ايام الاتحاد والترقي التركي.
ومن قبل ومن بعد.. فمهما تراكمت في نهر الثورات من بقايا المطابخ والمصانع السياسية والايديولوجية فلا ينتهي في مصبه الاخير الا هادرا نظيفا من كل الشوائب.(العرب اليوم)