هل نحتاج لانتفاضة أخرى؟
تم نشره الخميس 22nd أيلول / سبتمبر 2011 02:31 صباحاً

فهمي هويدي
كله تمام في مصر، لا توجد في مصر أزمة بنزين، ولا أزمة في الأدوية، أو أنابيب البوتاجاز، وكل ما يقال عن مثل هذه الأزمات من فعل عناصر الثورة المضادة. وليس صحيحا أن جامعة القاهرة أرسلت إلى الجهات الأمنية تقريرا عن المرشحين للمناصب القيادية في الجامعات، رغم أننا رأينا بأعيننا تقريرا منشورا صنف الميول السياسية لبعض أولئك المرشحين. وليس صحيحا أن مكتب الجزيرة مباشر أغلق بسبب نوعية المادة التي يبثها، وإنما كان السبب أنها لم تستوف التراخيص اللازمة لتشغيلها، رغم أن وزير الإعلام يعلن وكل المشتغلين بالإعلام المرئي يعرفون جيدا أن قنوات أخرى لها نفس وضع الجزيرة مباشر، ولم تحصل على التراخيص المشار إليها، ومع ذلك لم يقترب من أبوابها أحد.
وطبقا لما نشر أمس (الأربعاء 21/9)، فإن الشرطة بريئة من قتل المتظاهرين الذين هاجموا قسم شرطة حدائق القبة أثناء الثورة، لأن الشهود ذكروا أن المتهمين لم يكونوا في القسم، وأن عناصر غير شرطية هي التي قتلت الضحايا، والمتهمون في أحداث التظاهر أمام السفارة الإسرائيلية لا يتجاوز عددهم 38 شخصا، رغم أن البيانات المتوافرة لدى منظمات حقوق الإنسان تحدثت عن اختفاء نحو 200 شخص في تلك الليلة، كانوا ممن ذهبوا إلى التظاهر ولم يعد أحد منهم إلى بيته. ولعلك تذكر نفي الداخلية المستمر لحكاية القناصة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين في ميدان التحرير، وقولهم إن الشرطة ليست لديها قناصة من الأساس، الأمر الذي لا تفسير له سوى أن أولئك القناصة هبطوا من السماء، وأخذوا مواقعهم فوق أسطح البنايات المطلة على الميدان.
هذا النوع من المعلومات شائع في خطابنا الإعلامي، الذي أصبح كثيرون يشكون في صدقيته، وأسوأ ما فيه ليس فقط أنه يعبر عن الاستهانة بالقارئ أو المشاهد ويفترض فيه البلاهة أو الغباء -أو الاثنين معا- وإنما أيضا يقيم جدارا من عدم الثقة بين السلطة والمجتمع.
لقد نقلت صحف أمس على لسان رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف قوله إن قانون الطوارئ لا يتعارض مع الديمقراطية، وهو بذلك لم يستهن بعقل القارئ فحسب، وإنما هو أساء إلى نفسه أيضا، لأن أحدا لم يكن يخطر له على بال أن يقول رئيس وزراء مصر هذا الكلام بعد قيام الثورة، خصوصا أن الرجل قادم من ميدان التحرير حين احتشدت فيه الجماهير مطالبة بالحرية التي يعد قانون الطوارئ قيدا ثقيلا عليها إن لم يكن مصادرة لها.
إن مختلف الشواهد تدل على أن لدينا مشكلة في التعامل مع الرأي العام. وهذه المشكلة تتلخص في أن السلطة القائمة لا تملك شجاعة مواجهة الجماهير بحقائق الأشياء. ولذلك تؤثر أن نلتف على الحقائق تارة بإنكارها تماما وإخفائها، أو بذكر طرف منها مع التعتيم أو تمييع ما تبقى.
لقد خرج علينا وزير العدل في الأسبوع الماضي بتصريح مثير، قال فيه إن دولا خليجية قدمت ملايين الدولارات لتخريب المنشآت وترويع المواطنين والعبث بالأمن القومي المصري، لكنه لم يسم تلك الدول، واكتفى بالإشارة إلى «دولة صغيرة» فقط، وهو ما زاد الأمر غموضا، لأن كل دول الخليج صغيرة. وحدث نفس الشيء بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني التي قيل لنا إنها تلقت ملايين الجنيهات من جهات أجنبية، ولم نعرف شيئا عن هوية الذين دفعوا أو هوية الذين قبضوا. ومن ثم ترك الرأي العام حائرا يضرب أخماسا في أسداس، الأمر الذي فتح الباب للشائعات والأقاويل التي أشاعت بلبلة لا لزوم لها.
قرأت مقالا حول تلاعب السلطة في روسيا بالأخبار واستهانتها بالرأي العام يكاد يصف الذي يجرى في مصر. المقال نشرته صحيفة كومر سانت ــ فلاست (في 18/7). ومما أشار إليه أن السلطة في تسترها على الأخبار والكوارث لا تعلن الحداد العام إلا إذا تخطى عدد الضحايا مئة شخص، أما إذا كان العدد أقل من مئة فإن الحداد يصبح محليا فقط لا تشعر به إلا دائرة محدودة من الناس. كما أن مراسم الدفن وحجم التعويضات يختلف باختلاف جغرافية الكارثة. وهذا الأسلوب أعاد إلى الأذهان أساليب الدولة البوليسية المسيطرة التي كانت قائمة في ظل الاتحاد السوفييتي. الأمر الذي يعطى انطباعا بأن الدولة زالت، ولكن أساليبها في التعامل مع المجتمع والرأي العام لا تزال كما هي لم تتغير.
هل يمكن أن نخلص إلى نفس النتيجة، بحيث نقول إننا ما زلنا أسرى أساليب صفوت الشريف وأنس الفقي وحبيب العادلي؟ وإذا صح السؤال فإنه يستولد سؤالا آخر هو: هل نحن بحاجة إلى انتفاضة أخرى لكي نتخلص من تلك الأساليب؟ وبذلك تنتفض مرة لإسقاط الرأس، ومرة أخرى للخلاص من الجسم والأدوات والأساليب؟(السبيل)
وطبقا لما نشر أمس (الأربعاء 21/9)، فإن الشرطة بريئة من قتل المتظاهرين الذين هاجموا قسم شرطة حدائق القبة أثناء الثورة، لأن الشهود ذكروا أن المتهمين لم يكونوا في القسم، وأن عناصر غير شرطية هي التي قتلت الضحايا، والمتهمون في أحداث التظاهر أمام السفارة الإسرائيلية لا يتجاوز عددهم 38 شخصا، رغم أن البيانات المتوافرة لدى منظمات حقوق الإنسان تحدثت عن اختفاء نحو 200 شخص في تلك الليلة، كانوا ممن ذهبوا إلى التظاهر ولم يعد أحد منهم إلى بيته. ولعلك تذكر نفي الداخلية المستمر لحكاية القناصة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين في ميدان التحرير، وقولهم إن الشرطة ليست لديها قناصة من الأساس، الأمر الذي لا تفسير له سوى أن أولئك القناصة هبطوا من السماء، وأخذوا مواقعهم فوق أسطح البنايات المطلة على الميدان.
هذا النوع من المعلومات شائع في خطابنا الإعلامي، الذي أصبح كثيرون يشكون في صدقيته، وأسوأ ما فيه ليس فقط أنه يعبر عن الاستهانة بالقارئ أو المشاهد ويفترض فيه البلاهة أو الغباء -أو الاثنين معا- وإنما أيضا يقيم جدارا من عدم الثقة بين السلطة والمجتمع.
لقد نقلت صحف أمس على لسان رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف قوله إن قانون الطوارئ لا يتعارض مع الديمقراطية، وهو بذلك لم يستهن بعقل القارئ فحسب، وإنما هو أساء إلى نفسه أيضا، لأن أحدا لم يكن يخطر له على بال أن يقول رئيس وزراء مصر هذا الكلام بعد قيام الثورة، خصوصا أن الرجل قادم من ميدان التحرير حين احتشدت فيه الجماهير مطالبة بالحرية التي يعد قانون الطوارئ قيدا ثقيلا عليها إن لم يكن مصادرة لها.
إن مختلف الشواهد تدل على أن لدينا مشكلة في التعامل مع الرأي العام. وهذه المشكلة تتلخص في أن السلطة القائمة لا تملك شجاعة مواجهة الجماهير بحقائق الأشياء. ولذلك تؤثر أن نلتف على الحقائق تارة بإنكارها تماما وإخفائها، أو بذكر طرف منها مع التعتيم أو تمييع ما تبقى.
لقد خرج علينا وزير العدل في الأسبوع الماضي بتصريح مثير، قال فيه إن دولا خليجية قدمت ملايين الدولارات لتخريب المنشآت وترويع المواطنين والعبث بالأمن القومي المصري، لكنه لم يسم تلك الدول، واكتفى بالإشارة إلى «دولة صغيرة» فقط، وهو ما زاد الأمر غموضا، لأن كل دول الخليج صغيرة. وحدث نفس الشيء بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني التي قيل لنا إنها تلقت ملايين الجنيهات من جهات أجنبية، ولم نعرف شيئا عن هوية الذين دفعوا أو هوية الذين قبضوا. ومن ثم ترك الرأي العام حائرا يضرب أخماسا في أسداس، الأمر الذي فتح الباب للشائعات والأقاويل التي أشاعت بلبلة لا لزوم لها.
قرأت مقالا حول تلاعب السلطة في روسيا بالأخبار واستهانتها بالرأي العام يكاد يصف الذي يجرى في مصر. المقال نشرته صحيفة كومر سانت ــ فلاست (في 18/7). ومما أشار إليه أن السلطة في تسترها على الأخبار والكوارث لا تعلن الحداد العام إلا إذا تخطى عدد الضحايا مئة شخص، أما إذا كان العدد أقل من مئة فإن الحداد يصبح محليا فقط لا تشعر به إلا دائرة محدودة من الناس. كما أن مراسم الدفن وحجم التعويضات يختلف باختلاف جغرافية الكارثة. وهذا الأسلوب أعاد إلى الأذهان أساليب الدولة البوليسية المسيطرة التي كانت قائمة في ظل الاتحاد السوفييتي. الأمر الذي يعطى انطباعا بأن الدولة زالت، ولكن أساليبها في التعامل مع المجتمع والرأي العام لا تزال كما هي لم تتغير.
هل يمكن أن نخلص إلى نفس النتيجة، بحيث نقول إننا ما زلنا أسرى أساليب صفوت الشريف وأنس الفقي وحبيب العادلي؟ وإذا صح السؤال فإنه يستولد سؤالا آخر هو: هل نحن بحاجة إلى انتفاضة أخرى لكي نتخلص من تلك الأساليب؟ وبذلك تنتفض مرة لإسقاط الرأس، ومرة أخرى للخلاص من الجسم والأدوات والأساليب؟(السبيل)