الإصرار على تحويل المسيحيين إلى أقلية

تم نشره الخميس 22nd أيلول / سبتمبر 2011 03:59 صباحاً
الإصرار على تحويل المسيحيين إلى أقلية
ياسر أبو هلالة
على كثرة التظاهرات في سورية، وغياب قيادة مركزية لها، لم يصدر عنها شعار طائفي. على العكس، حرصت على إبداع شعارات تراعي التنوع الديني والعرقي؛ فجمعة تحمل شعارا مسيحيا "الجمعة العظيمة"، وأخرى تراعي العلويين باسم "صالح العلي"، وثالثة تتودد الأكراد. في المقابل، لم يدخر النظام وسعا في استخدام الورقة الطائفية، واتهام المتظاهرين بالطائفية، واخترع شعارا لم يسمع ولم ير ولم يوثق إلا عبر تلفزيون دنيا وضباطه، يقول "العلوية ع التابوت والمسيحية ع بيروت".
وقد جاء تعيين مسيحي وزيرا للدفاع رسالة غزل للمسيحيين. وهذا سلوك غير مستبعد من نظام بني على الطائفية، فكرسها في بلده وفي الجوار اللبناني، مع أن سورية شكلت تجربة فريدة في بناء دولة المواطنة. ولم يشكل السنّة العرب أكثرية طاغية، واتسع المشهد الوطني لقامات مسيحية ودرزية وعلوية وكردية. وظلت سورية تجسيدا للتنوع حتى انقلاب الأسد.
وإن كان مثقفون مسيحيون مثل ميشيل كيلو ومي سكاف وغيرهما قد اتخذوا مواقف مناصرة للثورة، إلا أن الكنيسة أصرت على موقف موال للسلطة، باعتبار أن المسيحيين أقلية مهددة بالانقراض. وانسحب ذلك الموقف على لبنان، وتماهت الأقليتان الشيعية  والمسيحية، ولم يشذ عن الإجماع غير سمير جعجع!
على قول كمال الصليبي، فإن العروبة إذا نزعت منها المسيحية تحولت إسلاما. وقد كان رجال الكنيسة في القرن الماضي سادة في الثقافة العربية، أدبا ومعاجم، وكانوا يرون رعيتهم جزءا من الأمة لا امتدادا لفرنسا. غير أن ثقافة الحروب الأهلية حولت المسيحيين من مواطنين وجزء من أكثرية عربية، إلى أقلية معزولة تجد ذاتها في فرنسا.
وبدلا من مناصرة الثورة السورية لبناء دولة المواطنة والتخلص من دولة الطائفة، انحاز وبصورة فجة بطرك لبنان، بشارة الراعي، خلال مؤتمر أساقفة فرنسا إلى بشار الأسد، وقال إنه "يأمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها". وأوضح أن الأسوأ من وجهة نظره يتمثل في "أن تأزم الوضع في سورية أكثر مما هو عليه سيوصل إلى حكم أشد من الحكم الحالي كحكم الإخوان المسلمين". موقف كهذا استفز الكاتب حازم صاغية، وهو علماني مسيحي، وكتب في الحياة "المسألة كانت تتطلب من مقام بكركي موقفاً إنسانياً ضد القتل، لا موقفاً منحازاً للنظام أو لمعارضيه. لكن بكركي اليوم تبدّي احتمال التنكيل بالمسيحيين مستقبلاً، بإعطاء الذريعة للتنكيل بالشعب السوري (ومنه المسيحيون) حاضراً. معادلة للأسف، تقاطعت مع موقف لميشال عون أكد فيه أحقية النظام السوري بقتل خمسة ملايين شخص لحماية نفسه. في هذا وذاك شيء من المازوشية، حينما تُغرم الضحية بجلادها، ولا ترى سواه منقذاً لها"، تماما كما استفزت كاتبا علمانيا شيعيا وهو حازم الأمين "لموقف "المسيحي" اللبناني من الانتفاضة السورية، يعرض قضية الدفاع عن حقوق الأقليات في المنطقة إلى مأزق أخلاقي فعلي، إذ لطالما شكلت مسألة حماية الأقليات أحد معايير قياس مدى احترام الأنظمة لحقوق جماعاتها، لكننا هنا أمام وضع معكوس، ويتمثل في مدى التزام الأقليات إجماعات وطنية حول مصالح الدولة والمجتمع".
في الربيع العربي هبت نسائم المواطنة التي يفترض من قادة الكنيسة اغتنامها، وهي وحدها التي تحمي الإنسان بوصفه إنسانا بمعزل عن أصله أو دينه. أما تحويل المسيحيين إلى "أقلية" تبحث عن حماية، فهذا يشكل إهانة بحقهم، والأسوأ وضعهم في خدمة الطغيان فيغدو الانتقام منهم جزءا من الانتقام من الطاغية الذي سيسقط لا محالة.(الغد)


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات