أول ربيع العودة والدولة والقدس

تم نشره الأحد 25 أيلول / سبتمبر 2011 01:14 صباحاً
أول ربيع العودة والدولة والقدس
عريب الرنتاوي

كان يوماً من أيام فلسطين بامتياز...العالم كله أصغى وقوفاً لصوت فلسطين وشبعها...الدموع في عيون النساء والرجال الذين تابعوا المشهد في نيويورك، كانت «الاستفتاء» الذي لا يعرف هوامش للخطأ...الحناجر التي حشرجت بالهتاف للحرية والاستقلال، لا تعرف الرياء والكذب...الصرخات التي شقت عنان السماء، كان صوت من لا صوت له من الفلسطينيين المنتشرين في أربع أرجاء منافي الذل والشتات.

لسنا من «جماعة عباس»، ولقد اختلفنا مع الرجل من قبل ونختلف معه الآن وسنختلف معه غداً...ولكنه حين اعتلى أرفع منبر دولي، كان ينطق باسم الفلسطينيين جميعاً، في الوطن والشتات...كان صوتهم ولسان حالهم المعبر عن برنامجهم الوطني، برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس...وكانت كلماته «شواظ من نار ونحاس» في حلق نتنياهو وليبرمان، ومن ناصرهما من «ذوي السلطان الأكبر».

أمس كان يوم فلسطين...إرهاصات ربيعها الذي تأخر وطالت غيبته...أمس كان يوم جردة الحساب» مع الاحتلال والاستيطان و»النفاق الدولي» و»الانحياز الأعمى»...أمس كان يوم الرايات الخفّاقة فوق صواري المبنى الأشهر في نيويويورك، بل وفي قلوب العالم وضمائر أحراره وعقول مثقفيه ومفكريه وعقلائة.

لقد حبسنا أنفاسنا...وظلت الأيدي على القلوب التي بلغت الحناجر، حتى لحظة صعود المنبر...كنا نعرف حجم الضغوط وثقل الإمانة التي أبت أن تحملها الجبال وحملها الانسان...كنا نعرف أن فرائص قادة كبار ودولى عظمى ترتعد أمام الأنياب الحادة للبلدوزر الأمريكي...كنا نخشى من عباس ونشفق عليه...كدنا نموت ذعراً من تنازلات ربع الساحة الأخير...كنا نتحسب ليل نهار لمخارج وتخريجات لا هدف لها سوى حفظ ماء وجه أوباما ونتنياهو..أما دماء الفلسطينيين فلا حافظ لها ولا بواكي عليها....كنا نخشى المفاجآت التي تُسكب فوق رؤوسنا كالماء البارد الذي يشل الأعصاب والعروق وسلسلة الظهر...كنا نأمل في دواخلنا أن تكون لفلسطين وقفة عز على المنبر الأممي...وكان لنا ما أردنا.

نعرف أن المعركة، معركة الحرية والاستقلال، لم تنته أمس كما سخر كثيرون...كما نعرف أن معركة الحرية والاستقلال ستدخل أحد أكثر فصولها ضراوة منذ الصعود إلى المنبر الأممي...كنا نعرف أن واشنطن وسياسييها، المنهمكين بحسابات الحملات الانتخابات ودفاتر شيكات جماعات الضغط، سيمطروننا بحجارة من سجيل...ولكننا مع ذلك، كنا نريد لهذا الاستحقاق أن يبلغ مداه...وأن يؤسس ولو نظرياً لصفحة جديدة في نضال شعب فلسطين من أجل حريته وعودته واستقلاله.

وكلما كنا نتوغل في قراءة ردات فعل الإسرائيليين وهلعهم من استحقاق سبتمبر، كنا نزداد حزناً وألماً لرؤية أشقاء لنا يصبون القمح في غير الطاحونة الفلسطينية... كلما كانت تحزننا أنباء منع التظاهرات والاعتصامات في غزة...كلما كانت تدمي قلوبنا أبناء الاعتقالات لمثقفين وحقوقيين فلسطينيين لا لذنب اقترفوه، إلا لأنهم أيدوا الوقوف تضامناً مع فلسطين في يومها الأممي...كانت تُخجلنا أنباء المداهمات لمكاتل منظمة «كفاح المرأة» ومصادرة أشرطة احتفال نسائي في غزة، بيوم فلسطين وهي في طريقها لنيل الاعتراف بها، دولة كاملة العضوية في المنتظم الدولي...لكأن الإخوان في سلطة حماس، لم تأتهم بعد أنباء الربيع العربي...لكأنهم لم يسمعوا بعد، بأن ممارسات كهذه لا تليق إلا بأنظمة الفساد والاستبداد، من الشاكلة والطراز، الذي نعرف ويعرفون.

ونجدنا في غمرة الاعتزاز بفلسطين في يومها العالمي، نسجل بالحرف العريض: بئس الفصائلية الضيقة التي لا تميز بين معركة مع فتح وأخرى مع إسرائيل...بئس «الممانعة» إن كان ثمنها ثلاثة آلاف روح بريئة...وبئس «المقاومة» إن كان شرطها تكميم الأفواه واعتقال النشطاء ونشر المليشيات على المفارق والساحات...لقد ولّى هذا الزمن، غير مأسوف عليه، والحرية باتت قيمة مطلقة بذاتها، غير مشروطة بنظام أو حكومة أو فصيل، أياً كان لون دثاره أو عمامته أو بزّته.

كنا نأمل أن تتمتع غزة بحريتها في التعبير عن رأيها في استحقاق أيلول...أياً كان رأيها في الاستحقاق...كنا نأمل أن يتحد الشعب في الميدان لـ»قهر» نتنياهو وهزيمة ليبرمان...كما نأمل أن تخرج غزة عن بكرة أبيها صوب حاجز إيرتيز لا دعما لعباس بل اسناد لحق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس...كنا نأمل أن نخرج من «قمقم الفصائلية» الكريه إلى فضاء الراية الممتدة بألوانها الأربعة، فوق قارات العالم الخمس.

أياً يكن من أمر...لن تأخذنا اللحظة المشحونة بالعواطف النبيلة أبعد منذ ذلك...مع أن من لا عواطف له، لا عقل عنده...وسنظل في موقع الدعوة للوحدة والحوار والمصالحة في رحاب المقاومة الشعبية...لن نكف عن مطالبة «أبو مازن» بمغادرة مربع التفاوض العبثي والاستفادة من ألق الدرس الاممي والالتفاف الشعبي، واجتراح استراتيجية جديدة، تقوم على الوحدة والمصالحة والمقاومة الشعبية المستلهمة ربيع العرب في فصوله السلمية والحضارية...لن نكف عن مطالبة حماس بمراجعة سلوكها في غزة والتمييز بين حساباتها الفصائلية الأنانية ومصالح الشعب الوطنية العليا...لن نكف عن المطالبة بالتوحد في الميدان، وإن من باب «أضعف الإيمان»، إن عز الالتقاء على صيغة واحدة وبرنامج موحد، وللمعركة المفتوحة صلة.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات