بقاء الحال .. من المحال

خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتقديمه طلب عضوية كاملة للدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، ليست قفزا في الهواء، كما وصفها البعض؛ وهي ضرورية وإنْ تأخرت كثيرا. فالمفاوضات التي دامت عشرين عاما دون طائل، كانت ستستمر ستين عاما أخرى كما قال نتنياهو دون أي نتيجة إيجابية، بل كانت ستزيد من محن الفلسطينيين، وتوسع رقعة المستوطنات.
الحكومة الاسرائيلية لن تقدم شيئا على الإطلاق، حتى الوعود لن تفكر بها، فهي لن تتخلى عن القدس، ولن تتوقف عن بناء المستوطنات وتوسيعها، ولن يتخلى نتنياهو عن ائتلافه الحكومي اليميني المتطرف، وفي سبيل ذلك سيضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية، ولن يتنازل عن شيء.
الخطوة الفلسطينية ليست قفزا في الهواء، رغم أن النتائج لن تكون عظيمة، وأغلب الظن أنها ستكون محدودة، في ظل الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل. ورغم أن القيادة الأميركية ضاقت ذرعا بالسياسة الاسرائيلية وتصرفاتها المحرجة، إلا أنها تظل دائما مرتهنة لضغوط اللوبي الصهيوني، إلى درجة أنْ يوصف الرئيس الأميركي بأنه خير سفير لاسرائيل في الأمم المتحدة. ولا يمكن أن تكون هناك قيادة أضعف من الرئيس الأميركي الحالي تجاه اسرائيل؛ فهو يعيش قلقا دائما من جذوره الافريقية، وخوفا مستمرا من اتهامه بأصوله الإسلامية، ما يدفعه لأن يكون صهيونيا أكثر من الصهاينة. وهو الذي لا يتوانى بمناسبة وبغير مناسبة، عن إعلان التزامه بأمن اسرائيل بدون ان ينظر بطرف عينه إلى حقوق الشعب الفلسطيني. وبالمقابل لا تعطيه الحكومة الصهيونية بارقة أمل في تحسن موقفها من بناء المستوطنات أو تقدم شيئا ملموسا لإثبات حسن النوايا لتحقيق السلام الذي طال انتظاره. وأغلب الظن أنه سيطول الى ما لا نهاية، ولن يكون بوسع الفلسطينيين والعرب من خلفهم، الانتظار أكثر من هذا.
الخطوة ليست قفزا في الهواء، ولكن الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات واستراتيجية "بيبي"، مدلل أميركا، بتعويم الوضع وإبقاء الحال كما هو عليه، مع استمرار بناء المستوطنات وتوسيعها والنظر الى خارج الحدود للتوسع، ونغمة الوطن البديل، فرضت هذه الخطوة. ومع أن الآمال ضعيفة بتحقيق إنجاز كبير من ورائها، إلا أنها أشبه برمي حجر في مياه بركة راكدة لتحريكها بأي اتجاه كان، ولتأكيد أن بقاء الحال، كما هو، من المحال.
يقول توماس فريدمان في مقاله المنشور في النيويورك تايمز بتاريخ 17/9/2011؛ إن عزلة اسرائيل الكونية ستتعمق، وهو يعبر عن مخاوفه على مستقبل اسرائيل في ظل الظروف المتغيرة التي تحيط بها، فقد طردت تركيا سفيرها، وهاجم الشعب المصري سفارتها في القاهرة، وهرب سفيرها من عمان بليل. وخوف فريدمان يمتد إلى ردة الفعل العربية ضد أميركا نفسها، بعد إعلان أوباما المتشدد ضد الدولة الفلسطينية.
من الواضح أن فريدمان ليس مهتما بالفلسطينيين إلا من خلال اهتمامه باسرائيل وبقائها هادئة مستقرة، في ظل الربيع العربي وتحرك الشعوب التي لن تسمح ببقاء الظلم، ولن تسمح لنتنياهو وفريقه المتعصب باستمرار سياستهم الى الأبد، ولن تغفر لأوباما تخاذله الدائم تجاه الحق الفلسطيني. من الواضح أن فريدمان يدرك هذه الحقائق، ويحذر أميركا من ردة فعل شعبية عربية كارثية.(الغد)