Persona non grata

تم نشره الأربعاء 28 أيلول / سبتمبر 2011 01:57 صباحاً
Persona non grata
عريب الرنتاوي

لو كنت في موقع القرار في السلطة الفلسطينية، لأعلنت عن ممثل الرباعية الدولية طوني بلير شخصاً غير مرغوب فيه «Persona non grata» في مناطق السلطة والدولة العتيدة.. لا لأن الرجل منحاز لإسرائيل وخاضع لكل «لوبيّاتها» الأوروبية والأمريكية فحسب، بل لأنه فوق هذا وذاك صديق حميم لديكتاتور ليبيا ومجنونها: معمر القذافي، زاره سراً في خيمته مرات عدة، أحصت المصادر ستاً منها، ناهيك عن زياراته الرسمية وصفقاته المشبوهة على حساب الشعب الليبي وثرواته.

وقبل هذا وذلك، فالرجل صاحب يدين مطلختين بدماء مئات ألوف العراقيين الأبرياء منهم وغير الأبرياء.. وهو صرح قبل أيام فقط، بأنه غير نادم على فعلته الحمقاء، وأن التاريخ لو أعاد نفسه، لاتخذ قرار الحرب مجدداً، برغم انكشاف زيف الادعاءات والبراهين والمبررات التي خاض تحت لوائها حربه المجنونة على العراق.

والرجل كما تشير مختلف التقارير والمصادر، هو صاحب يد طولى في تكييف قرارات الرباعية الدولية بما يتواءم مع حسابات السياسة ومتطلبات نظرية الأمن الإسرائيلية.. اختصاصه الأول والأخير، ضمان أن لا تخرج قرارات الرباعية وبياناتها ومبادرتها عن حدود قدرة السياسة والساسة الإسرائيليين على الاحتمال، حتى وإن كان الثمن من دم الفلسطينيين وعرقهم وحقوقهم.

مثل هذا الرجل، الذي حظي بتكريم الأوساط الفلسطينية الرسمية، وحل وارتحل في مختلف مدن الضفة الغربية، وصال وجال في مختلف دهاليز ودروب السياسة الفلسطينية، لا يستحق الاستمرار في وظيفته، وقد تكشف مؤخراً عن دوره كمبعوث للمصالح الإسرائيلية ومنافح شرس عنها، بدل أن ينبري للقيام بمهمته كوسيط نزيه لرباعية تضم الأمم المتحدة وروسيا إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لن يضيرنا بعد أن تكشفت أوراق التوت وتساقطت، أن نخوض معركة إسقاط طوني بلير.. يكفي أن لا نريه من طرف اللسان «لا حلاوة ولا مرارة».. يكفي أن لا نفتح ذراعينا له.. يكفي أن نجلسه إلى جانب الوفود الإسرائيلية وفي مقاعدها، حتى يكون ذلك سبباً كافياً للتفكير بالإتيان بممثل بديل للرجل الذي سيكتب في الجزء الثاني من مذكراته، كيف استكمل ما سبقه «بلفور» إلى فعله، ومن خلفه ساسة بريطانيا الانتدابية الذين لعبوا دوراً مؤسساً للدولة العبرية، وكيف أنه مكّن إسرائيل من إستكمال مشروعها الاستيطاني التوسعي، تحت مظلة من الحماية الدولية المغلفة باسم الرباعية الدولية.

إن السنوات العجاف التي قضاها الرجل على رأس وظيفته أو «ممثليته» تكفي لاستبداله.. وقد آن أوان رحيله واستبداله في مطلق الأحوال.. فما من سفير جاوزت خدمته السنوات الثلاث (باستثناء الحالة الفلسطينية)، إلا طوني بلير.. وقد آن أوان رحيله وقد أشرف على إتمام سنوات خمس طوال في خدمة المصالح الإسرائيلية.

إن كان للعرب أن يضعوا قائمة سوداء، شبيهة باللوائح والقوائم الأمريكية والأوروبية السوداء للعناصر والمنظمات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب، فإنه يتعين إدراج طوني بلير في صدارة هي اللوائح.. فهذا الرجل مسؤول مسؤولية مباشرة عن الخراب والدمار الذي لحق بالعراق والمنطقة.. خاض حرباًَ كونية بمبررات زائفة، أسهم هو شخصياً وأركان حكومته في «فبركتها».. جذبته رائحة النفط العراقي إلى ميادين الحرب والقتال، غير آبة لحيوات مئات ألوف العراقيين الذين سقطوا قتلى وجرحى ومشردين.. هذا الرجل جذبته رائحة النفط الليبي، فضرب عرض الحائط بكل منظومة حقوق الإنسان، وأنشأ صداقة حميمة مع مجنون ليبيا وعقيدها.. لم تردعه جرائم القذافي بحق شعبه.. لم يوقفه السجل الأسود للعقيد عند حد.. تخطى كل الحدود والخطوط الحمراء، وذهب إلى عقد الصداقات وإبرام الصفقات مع أكثر نظم المنطقة إجراماً وديكتاتورية.. هذا الرجل أصر على أن ينال من العرب في صلب قضيتهم المركزية الأولى، وأظهر ميلاً جارفا لدخول التاريخ الاستعماري لبريطاني العظمى إلى جانب بلفور وبيفين وغيرهما.. أما ما خفي من أنشطة الرجل، فربما يكون الأعظم.

السلطة ليست بحاجة لخدماته.. والرباعية سقطت لحظة إصدار بيانها الأخير.. الذي جاء فارغاً من كل معنى ومضمون، بل ومتجاوزاً على بياناتها ومبادراتها السابقة.. ضارباً عرض الحائط بكل التزاماتها ومواعيدها «غير المقدسة».. السلطة من حقها أن «تتقبل أوراق ممثلي الرباعية» وأن يكون لها حق «الفيتو» على أي منهم، مثلما لإسرائيل مثل هذا الحق.. ومن جانب واحد، يتعين على السلطة أن تقاطع هذا الرجل، إن لم يكن ذوداً عن الحق الفلسطيني، فإكراماً لتضحيات إخواننا الليبيين الذين وقف بلير شاهداً على جرائم «صديقه» بحقهم.

في حمأة الأجواء الاحتفائية والاحتفالية بمعركة نيويورك، لا أقل من إعادة تصويب مسار «الرباعية» بدءا بالاستغناء عن خدمات هذا الرجل.. ودعونا نأمل بقرب إحالته إلى صندوق التقاعد وإقامته في ضواحي المتقاعدين البريطانيين في «بافوس» القبرصية المشمسة.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات