مبادرة ربع الساعة الأخير: «دول جوار سوريا.. زائد»

سوريا تنزلق إلى أسوأ ما ورد في «كوابيسنا» من سيناريوهات...هذا ما تشي به تطورات الأزمة بفصولها المختلفة.
النظام ماضٍ في «خياره الأمني – العسكري»... لا خيارات أخرى تلوح في الأفق...كل ما يقال عن «مبادرات إصلاحية» لا يستحق الحبر الذي يكتب فيه... آلة القتل لا تتوقف، والقصص التي تروى من مواقع الاشتباك الساخنة، تقشعرّ لها الأبدان...لم يبق أمام السوريين، قطاعٌ واسعٌ من منهم على أقل، سوى «امتشاق السلاح»، هكذا تقول أطياف متزايدة من المعارضة...لم نعد نسمع كثيراً شعار «سلمية ... سلمية»، فأمام هذا القتل المنهجي المنظم، يبدو ترديد مثل هذه الهتافات، ضرباً من البلاهة.
المعارضة بدورها ماضية إلى «الخيار العسكري»...والانشقاقات في صفوف الجيش إلى اتساع وتسارع...وسوف تتسع أكثر فأكثر، إن توفرت للمنشقين «ملاذات آمنة»...وهذه على ما يبدو، في طريقها لأن ترى النور قريباً...»الاغتيالات النوعية» على خلفية مذهبية، بدءاً من حمص وجوارها، تثير الذعر وترتعد لها الفرائص.
النظام في حالة اشتباك مع العالم بأسره تقريباً... لا يصغي لأحد، حتى لأقرب مقربيه... حتى الذين كانوا حتى الأمس القريب ناطقين باسمه على مختلف الشاشات والصفحات، بدأوا يضيقون ذرعا بضيق أفق نخبه السياسية والأمنية على حد سواء...لقد خرجوا بمبادرات ومؤتمرات، علّهم يحجزون لأنفسهم بوساطتها، مقاعد في «سوريا ما بعد الأسد».
لغة «التطيّف» و»التمذّهب» مرعبة إلى حد كبير...»نحن» و»هم»...القلق المبثوث في أوصال الأقليات يشي بشيء من «السيناريو العراقي...سوريا سائرة على ما تقول التقديرات، نحو مزيج من سيناريوهين: ليبي وعراقي، كان الله في عون السوريين، وحمى الله سوريا.
المعارضة نجحت في «لملمة» شتات شرائح مهمة من فصائلها وقواها في مؤتمر اسطنبول الأخير...لا أقول أنها نجحت في توحيد صفوفها، فثمة مسافة ما زالت تفصل قطاعات منها عن المجلس الوطني المشكل حديثاً...لم تعد لغة اللجوء إلى السلاح، مُستهجنة... لم يعد الحديث عن استدعاء تدخل دولي صادم، خصوصاً حين يغلّف بدثار إنساني ويعلل بحماية المدنيين.
«الملاذات الآمنة» في طريقها للتشكل والظهور...بعضها تحت مسمى «مخيمات اللاجئين» ...وبعضها الآخر على شكل شريط محمي داخل الأراضي السورية، مسيّج بمناطق حظر طيران وربما بمناطق محذور على الدروع دخولها وقذائف المدفعية أن تصل إليها...في هذه الملاذات، قد يعاد انتاج «سيناريو بنغازي»...ومنها ستنطلق شرارات المواجهة الدامية بين جديد ينشأ وقديم يأبى الإنحلال.
والتغيير في سوريا، لن يكون أبداً نزهة قصيرة، وستكون كلفته عالية...وقد تدفع سوريا الدولة والكيانة والهوية والوحدة الجغرافية والديموغرافية أثمانه الباهظة....التغيير في سوريا قد يفضي إلى تغيير في خراط المشرق العربي...ألم يتنبأ مؤتمر هرتسليا في أحد سيناريوهاته الأكثر تشاؤماً، بارتفاع عدد الدول الأعضاء في الجامعة العربية إلى ثلاثين دولة؟!.
يتكئ البعض، خصوصاً من الراقصين على ألم السوريين ودمائهم، إلى هذه السيناريوهات المتشائمة لتبرير انحيازاتهم الانتهازية للنظام...ينسى هؤلاء أو بالحرى، يتناسون، أن المسؤول الأول والأخير، عن هذه المآلات الكارثية للأزمة السورية، هو النظام نفسه، الذي اغمض عينيه وأصم أذنية، عن رؤية ما يجري وسماع ما يتعين سماعه من نداءات الشارع ونصائح الأصدقاء الغيارى على مستقبل سوريا ودورها ووحدة أرضها وشعبها.
لسنا نبالغ في تصوير ملامح «السيناريو الأسوأ» الذي ينتظر سوريا...هو سيىء بما يكفي، ولا يحتاج لأية مبالغات أو إضافات...وأخالنا سنصاب بالمزيد من الصدمات عندما تضعف قبضة النظام، حين نرى كم هي عميقة ومتجذرة انقسامات هذا المجتمع و»هوياته الفرعية» المصطرعة...ألم يصدمنا «عراق ما بعد صدام حسين»...ألم يُسلّم «نظام البعث» البلاد خراباً صفصفاً، لا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا نقابات، بل عشائر وطوائف ومساجد وحسينيات و»حرب المائة عام» بين العرب والأكراد...ما الذي يدعونا للاعتقاد بأن سوريا المتخففة من هراوة الأمن و»جبروت الحزب القائد»، سوف تكون أفضل حالاً.
من السخف الحديث عن «خريطة طرق» للخروج من الأزمة السورية بأقل قدر من الأضرار والخسائر...لكن أمام هول ما ينتظرنا، وضخامة ما قد يترتب عليه من تداعيات إقليمية شاملة...سنبقى نبحث عن بصيص أمل، وإن بدوافع «رغائبية» لا تريد أن ترى «الشام» وقد ودّعت إرثها ودورها وتاريخها ومكانتها ووحدتها وروحها...وفي هذا السياق، فإننا ندعو من بيده الحل والربط، في سوريا وجوارها، إلى التنادي لإطلاق مبادرة «دول جوار سوريا»...على غرار «دول جوار العراق»، ولكن بصورة استباقية هذه المرة، وليس لاحتواء تداعيات انهيار العراق كما حدث من قبل...نريد للأردن أن يكون مبادراً على هذا الصعيد، ونتوجه إلى الطيب رجب أردوغان، صاحب المبادرة الأولى لأن يطلق المبادرة الثانية، ونريد لمصر والسعودية وإيران، أن تكون حاضرة على المائدة، شركاء لا شهودا...نريد لهؤلاء أن يبلغوا إلى السوريين جميعاً، للنظام والمعارضة: هذا هو طريق الخلاص فاتّبعوه، وإلا فاليواجه من يدير ظهره ويستنكف، غضب الجوار وحصاره ومقاطعته.
لا يتعاملنّ أحد مع سوريا كـ»رجل المشرق المريض»، ولا يتخذنّ أحدٌ مواقف وسياسات من منطلق «تسوية الحساب» أو بحثاً عن ربح آني زائل...إن كتب على سوريا أن تسير في ركاب ليبيا أو العراق، فلا أحد سينجو من تداعيات هذا الزلزال...ستتطاير شراراته لتطال المشرق والعراق والخليج وتركيا وصولاً لإيران...لا رابح من وراء تفكيك سوريا إلا إسرائيل...لا رابح من تفكك الدولة والجيش والشعب، إلا دولة جميع أبنائها اليهود، التي سيكون بمقدورها في حالة كهذه، أن تسوق شعارها العنصري هذا، بكثير من «الأريحية» و»السلاسة».
لا نريد للدول الاستعمارية، القديمة والجديدة، أن تعالج الأزمة السورية...ويخطئ من يظن أنهم زاهدون في التدخل في بلد لا رائحة نفّاة لنفطه الثقيل، فانحيازهم «الغريزي» لمتطلبات «نظرية الأمن الإسرائيلية»، كافٍ لجرهم تباعاً إلى سواحلنا وشواطئنا....لا أمل في الجامعة العربية لتقوم بدور إنقاذي كفؤ وفعّال...وليست هناك دولة أو حتى «محور» قادر بمفردها أو بمفرده، على معالجة الأزمة....لذا وجدنا ونجد أن مبادرة «دول جوار سوريا + مصر وإيران والسعودية»، وحدها الإطار الكفيل بوقف انزلاق سوريا إلى مستنقع العنف والقتل والحرب الأهلية والفوضى.
ربما يراهن على حلول في علم الغيب، من نمط «انقلاب من داخل النظام، سنيّاً كان أم علوياً...ألم نراهن على شيء مماثل في ليبيا واليمن...ما الذي حصل؟...لم يحصل شيء من هذا...فالحكام الذين امتطوا الدبابات للوصول إلى القصر الجمهوري، عرفوا كيف يغلقون بإحكام، طريق الدبابات إلى القصر الجمهوري، لقد خلقوا جيوشاً وأجهزة أمنية وميليشيات، يتربص أحدها بالآخر...بهم ومعهم، ولّى إلى الأبد، عصر «البيان رقم 1»...ألم تكن أنظمة هؤلاء هي آخر الانقلابات العسكرية؟..نحن نتمنى أن تتدخل الجيوش لنزع فتيل الكارثة وإطفاء نار الحرب الأهلية المتّقدة تحت الرماد...ولكن من قال أن كل ما يتمنى المرؤ يدركه...ألم تأت الرياح بما لا تشتهي سفننا في غير عاصمة من عواصم ربيع العرب ؟!
لا بديل عن مبادرة «دول جوار سوريا زائد»...لا بديل عن تحرك سريع في ربع الساعة الأخير، لمنع وقوع أسوأ كوابيسنا...لاستباق «الزلزال» الذي سيعمق «الفالق» المذهبي والقومي والطائفي في المنطقة، ويحيله إلى جرفٍ قاريّ.(دستور)