الأردنيون: من الاسترحام إلى الاعتصام

في أحد التجمعات الاحتجاجية التي جرت مؤخراً, اقتربت من شخص بسيط يقف بعيداً على هامش التجمع, وسألته عن رأيه فيما يشاهده ويسمعه, فقال لي بعد تمتمات مفهومة المعنى رغم خلوها من الكلمات المحددة: "صدقني أن كل هذه التحركات لا توصل أكثر من اثنين أو ثلاثة". إنه يقصد الوصول إلى وظائف.
دفعتني إجابته إلى إكمال الحوار وفق المدخل الذي اختاره هو, ورحنا نجري المقارنات بين أساليب الناس في طرح المطالب التي تغيرت من الاسترحامات والالتماسات وباقي طرق كسب الود الحكومي, إلى الاحتجاجات عبر الاعتصام والتظاهر ورفع الصوت عالياً.
في مجمل تاريخ علاقة المواطن الأردني بالدولة يمكن ملاحظة أنه لا توجد فواصل كبيرة تحول دون اللقاء والتواصل بين الطرفين, بمعنى أنه لا توجد مناطق مغفلة أو "مجاهل" بعيدة عن نظر السلطة سواء في المدن الكبيرة أو القرى والتجمعات, ويعتقد كل فرد في الأردن أنه يستطيع أن "يوصلها" إلى أعلى المستويات, أي يستطيع أن يوصل مشكلته أو شكواه.
كان يفترض لدولة حصيفة أن تعتبر ذلك ميزة تبني عليها تجربة تنموية قليلة المخاطر, حيث لا يوجد أمام المخططين ما هو غائب أو صعب التوقع.
يضاف إلى ذلك أن المواطن الأردني بعد أن يطمئن إلى أنه "أوصلها", ينتابه حينها قدر كبير من الخجل وقد يقلص مطالبه أو يتخلى عنها, وقد لفت انتباهي إلى ذلك طبيب الدماغ والأعصاب سمير مبيضين في حوار جانبي معه منذ أيام.
للأسف لم تستفد الدولة من هذا الوضع الاستثنائي في العلاقة مع المواطن, ولهذا اضطر الناس إلى تطوير أساليب عرض مطالبهم, ولجأوا إلى الاحتجاج. لقد أدركوا مؤخراً أن دولتهم تغيرت في علاقتها معهم.
الغريب أن الدولة اليوم, وبدل أن تستوعب الوضع الجديد وتطور نفسها بحيث تنظر إلى الناس كمواطنين أصحاب حقوق, نجدها تتغابى وتتعامل مع احتجاجاتهم وكأنها شكل جديد من أشكال الاسترحام والالتماس وتستجيب لها بذات الطريقة. (العرب اليوم)