الانتخابات الإسرائيلية وديموقراطية العرب
تتجه إسرائيل نحو مزيد من التشدد في صراعها مع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، فيما يتجه العرب والفلسطينيون إلى مزيد من التشرذم والفرقة والانقسام، أفرزت نتائج الانتخابات الإسرائيلية تشكيلة للكنيست تعبر عن اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي الذي صار أكثر عداءً للعرب، وأصبح أكثر رغبة في الانتقام منهم وتأديبهم والتعامل معهم بصرامة وعنف وتنكيل. وستأتي التشكيلة الحكومية في إسرائيل لتعبر عن تلك المشاعر بمواقف عملية علنية، أما المواقف العربية الرسمية فلا تعبر بمعظمها عن توجهات الرأي العام في الشارع العربي، وحتى في الدول العربية التي تجري فيها انتخابات، لا تعكس النتائج دائماً مواقف الرأي العام، بسبب تحكم الحكومات بهذه النتائج على رغم ما يتم الترويج له من ادعاءات بنزاهة تلك الانتخابات وسلامتها وتشير كل هذه المعطيات إلى أن الصراع العربي - الإسرائيلي سيتجه نحو مزيد من التعقيد، فلا إسرائيل ستقدم على قبول المبادرات العربية وتقديم التنازلات، ولا العرب ستكون لديهم على المدى القريب أي قدرة على فرض حلول أو حتى الدفاع عن مواقفهم وهم في الغالب منشغلون بإدارة معاركهم في ما بينهم.
وعلى رغم المؤشرات إلى قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة بين حركة «حماس» وإسرائيل فإن أي تصرف أحمق من أي طرف كفيل بمنح إسرائيل الفرصة للتخلي عن الاتفاق ليمارس اليمين الإسرائيلي هوايته في القتل والتدمير والتنكيل وليضمن مزيداً من الأصوات في كل انتخابات مقبلة. وبغض النظر عن التحليلات التي ذهبت إلى أن أمام أي حكومة إسرائيلية جديدة سقفاً لا يمكن تجاوزه، بسبب رغبة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في وضع حد لتدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتهيئة المناخ للسير في العملية السلمية، فإن المحك الحقيقي للعلاقة بين الحكومة الإسرائيلية الجديدة وإدارة أوباما سيتحدد وسط ضجيج آلة الحرب الإسرائيلية. وفي أول حرب ستشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين ستتكرر المواقف الأميركية من دعم عسكري وسياسي, ولن يكون منتظراً أن نتوقع جسراً جوياً عسكرياً يحمل دبابات وصواريخ وقنابل إلى حركة «حماس» أو حتى السلطة الفلسطينية! فالمسارات التي تتجه اليها المساعدات الأميركية معروفة ولن تتغير, وفي المقابل فإن الطرف الآخر في معادلة الصراع، أي الفلسطينيين، ليس جاهزاً لخوض معركة مع الجيش الإسرائيلي ينتصر فيها وسيظل يعتمد بالتالي على ما يحصل عليه بواسطة التهريب من أسلحة أو ذخائر، لكنها ستبقى غير كافية لمواجهة عسكرية من الوزن الثقيل مع اسرائيل.
ويبدو أن العرب والفلسطينيين ليسوا مستعدين للاستفادة من أخطائهم وتفادي الوقوع فيها مجدداً، وعلى رغم التفاؤل بقرب عقد جلسات الحوار الفلسطيني - الفلسطيني في القاهرة إلا أن مواقف أطرافه ما زالت تسير في اتجاهات متضادة وليس علينا التفاؤل بقرب تحقيق مصالحة حقيقية طالما بقيت لأطراف الحوار أجندات متضاربة ومصالح متعارضة،وفي خلفية الصورة تبقى الخلافات العربية والانقسامات، وكلما زادت أي حكومة إسرائيلية من تشددها انشطرت المواقف العربية أكثر فأكثر وتعقدت بدرجات تفوق القدرة على حلها، ناهيك عن الضعف الذي لا يمكّن أي طرف عربي من فرض مواقفه على الأطراف العربية الأخرى، أو على الأقل رسم خريطة طريق تحدد قواسم مشتركة بين الدول العربية في ظل استقطاب إقليمي لهذا الطرف العربي أو ذاك.
هل ما زال الطريق طويلاً وشاقاً؟ نعم بكل تأكيد فالديموقراطية الحقيقية لو تحققت في العالم العربي، كفيلة بتغيير سياسات العرب وتبديل مواقف الأطراف الأخرى تجاههم، والقول إن الرأي العام تحركه المشاعر والعواطف من دون المصالح، فإن الحالة الإسرائيلية رد كاف عليه،أما المخاوف من تأثر الشارع العربي بما تنقله هذه الفضائية أو تلك فإن وراءها غياب الديموقراطية والتلاعب بصناديق الانتخابات، وبنتيجة عدم ثقة معظم الشعوب العربية بحكوماتها بات المواطن يلجأ الى الجهات التي يعتقد بأنها الأكثر صدقاً وأمانة، فتكون النتيجة النهائية غفلته عن مصيبته حيث يغرق في مصائب الآخرين.
الحياة اللندنية