ثورة الربيع العربي تُلهم شعوب العالم

أصبحت ثورة الربيع العربي وأخبارها, من أهمّ الأحداث العالمية في العصر الحديث, التي تتصدر النشرات الإخبارية وعناوين الصحف الرئيسية على مستوى العالم, وغدت كل شعوب العالم تنظر لهذه الثورة بالإعجاب والتقدير, والإقرار بمطالبها المشروعة, وشعاراتها المنطقية, التي تمس أغلى القيم الإنسانية وأنبلها وأغلاها, وهل هناك قيم تتجاوز في مكانتها تلك القيم التي تتعلق بالحريّة والكرامة واستعادة الحقوق المسلوبة والأموال المهدورة?!.
وهناك بعض الشعوب أخذت تستلهم تقاليد الثورات العربية من حيث الشعارات, وطريقة التظاهر, واحتلال الميادين العامة, ونصب الخيم, بطريقة سلمية حضارية راقية, ولكنّها ضاغطة ومؤثرة, ففي بعض الولايات الأمريكية خرج المتظاهرون تحت عنوان (احتلوا وول ستريت); من أجل الاعتراض على النظام المالي, والنهج الاقتصادي المسيطر على الاقتصاد الأمريكي والأوروبي, والذي أدّى إلى تركيز الثروة بيد قلّة قليلة, لا تتجاوز (10-15 %), والبقية تعيش حالة البؤس والفقر والحرمان والحاجة. واستعادوا بعض الشعارات التي رفعها المتظاهرون في الميادين العربية في القاهرة وصنعاء وتونس وبني غازي, ودرعا.
لقد أصبح من المؤكد الإقرار العالمي بأهمية هذه الثورة وأنّها أصبحت حدثاً تاريخياً, وتجربة إنسانية فريدة, تستحق التدوين والدراسة والبحث, ونموذجاً عمليّاً تطبيقيّاً من نماذج الإصلاح والتغيير الفاعلة والناجحة التي تمتلكها الجموع الشعبية; من أجل الإطاحة بالأنظمة المستبدة, التي تستحوذ على أدوات القوّة والقمع, وتحتكر الثروة والنفوذ, وتسيطر على كل أجهزة الدولة ومقدراتها.
ثورة الربيع العربي, سوف تدخل مناهج العلوم السياسية, والمناهج التربوية والثقافية على مستوى العالم, وسوف تكون محلاً للبحث والدراسة والتطوير والتقويم, وسوف تشكل مصدر إلهام لكلّ الشعوب التي ما زالت تشعر بالظلم والتعسف والتهميش, وتتعرض للسلب والنهب على مستوى الثروة والمقدرات.
ثورة الربيع العربي بحاجة ماسّة إلى الكتاب والمؤرخين, والأدباء وأصحاب الفكر والعلم من أبناء العروبة والإسلام; من أجل توضيح مضامينها الفكرية والثقافية, ومن أجل توثيق هذه التجارب الفذّة التي تكرّم الأمّة العربية وترفع من قدرها.
لكن ما يدعو للأسف العميق والحزن الشديد الذي يدمي القلب, ويفجر الدم في العروق, أن يذهب بعض أبناء هذه الأمّة إلى الحطّ من شأن ثورة العرب الحديثة, ولمزها والغمز من قناتها, وبعضهم يصفها بأنّها "مؤامرة أمريكية" و"فوضى خلاّقة", من إنتاج بنات أفكار وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كونداليزارايس).
هؤلاء الذين يزعمون أنّهم ينتسبون إلى عالم الثقافة والفكر والأدب والتحليل السياسي, كان دورهم دور يبث التخذيل والإحباط ويشيع اليأس في شباب الأمّة, ويفتّ في عضد الأجيال الجديدة التي تريد التمرد على العجز والقفز فوق جدران الهزائم, والانعتاق من التبعية الذليلة للشرق أو الغرب, ويريدون البحث عن ذاتهم وثقافتهم الأصيلة وحضارتهم القائمة, التي تملك جميع مقومات النهوض واليقظة, ومقومات البناء وإعادة خلق الإنسان العربي القادر على حمل الرسالة, وتسجيل صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية الحديث.
سوف يكتشف هؤلاء المنهزمون أنّهم كانوا غارقين في وهم التبعية للأجنبي, والانسلاخ من حضارة الأمّة وأنّهم مبتورون بلا رسالة ولا دور, وأنّهم خارج الزمن والتاريخ.(العرب اليوم)