أين نحن من الإصلاح؟

للاصلاح ملامحه..له وسائله وآلياته..ويشترط ان تكون لها أهداف أيضاً يمكن الوصول اليها وقياسها تباعاً اذا ما أحسن اختيار الادوات والوسائل وحدوث كيفية اقامة ورشة الاصلاح..والا كنا في الفوضى..
لا ينجز الاصلاح الا اصلاحيون سواء من أحيل اليهم عطاؤه لينفذوه من موقع السلطة أو من يطالبون به من موقعهم في الشارع كمعارضة وكلما كانت هذه الجهات مؤهلة كلما كان الاصلاح الناجز مناسباً ومنقذاً وكلما كانت الجهات المحال اليها الاصلاح أو المتطوعة للمطالبة به غير مؤهلة..ارتبكنا واختلط الحابل بالنابل ويبدو لي ان هذه الحالة الاخيرة هي التي نعيشها..
لا أريد ان اتكلم عن الحكومات فقد اشبعناها نقداً وذكرنا لها غياب الخطط والتصورات وحتى القدرة والقناعة عند الكثير منها أو حتى عند المؤثرين من اعضائها الذين ما زالوا يتعاملون مع الواقع بعقلية الماضي وعقلية شراء الوقت او الاعتقاد بامكانية رشوة الشارع أو بعض رموزه أو القول بأن الازمة قد أصبحت خلفنا وانها لا تستحق كل هذا التوتر وانها قابلة للحل بأسلوب الفهلوة..
وانما اريد ان اتكلم عن الشارع الذي يصطف فيه الان الى جانب اصحاب المصلحة في الاصلاح والتغيير قوى أخرى «مقاولة» ومحترفة شعارات ظلت تنتج نفسها بنفس الطريقة وتطلب الاضاءة والمصالح الخاصة..وهذه القوى التي لم يعد يعبأ بها أحد وخاصة أجيال الشباب الطالعة من دعاة التغيير أرادت اخيراً استعادة الضوء وتسليطه عليها فلم تجد سوى تكبير وتغليظ الشعارات ورفع سقوفها دون ان يكون لهذه الشعارات دلالات مقنعة أو جمهور عريض يؤمن بها او حتى يراها..
ظهرت «عقلية المقايضة» داخل صفوف الاحتجاج لتلوث المطالب المشروعة وقد حاول اصحاب عقلية «المقايضة» ان يحققوا مكاسب سريعة في لحظة الانعطافات وان يركبوا الموجة ويجيروا الحراك وقد حولوا بعض الفئات الى وسائل لتدشين الطريق أو فتح الصعب منها وحملوها شعارات كبيرة لا يدرك مخاطرها كثير ممن حملوها حتى اذا جاءت المراجعة تخلو عنها وانكرت القوى الموظفة لهذه الشعارات علاقاتها بها ليس لانها لا تعرفها وانما لانها لا تريد ان تدفع الثمن أو تسأل عنها ولذا فإن الجهات المجيرة للاحتجاجات لجأت الى أسلوب (العمل على كسر الزجاج دون ان يراها أحد)..!!
من يقف وراء الشعارات المفتعلة وصخبها وغرابتها وتخطيها للواقع والممكن.. ومن يقف وراء التهويل وادعاء تمثيل الشارع الاردني والقول بحشود مئات الالاف واذا بالاحتجاجات لا تتجاوز المئات وقد غطت على قلة المنتسبين اليها بحمل شعارات كبيرة تريد بها الابتزاز وعلى طريقة «اللي بكبر حجره ما بضرب»..
نتمنى ان لا تجهض حركة الاحتجاج الاردنية الواعية والواقعية بنفخ قوى منفعلة فيها أو بالقفز فوقها او استثمارها لاجندات خاصة جانبية وان تدرك حركة الاحتجاج الاصيلة ان واقعيتها وحجم شعاراتها لا بد ان يقوم ليوازي قدراتها وامكانياتها وان تلبس ثوبها الطبيعي بحجمها وان لا تلبس ثوب غيرها حتى لا تتعثر أو يكون الثوب فضفاضاً ومثيراً للسخرية..
الصراخ الزائد ينم عن ضعف وليس قوة والذين يرفعون الشعارات الكبيرة والصاخبة يريدون بها ان يغطوا عن قلة حيلتهم وامكانياتهم وعلى قلة مؤيديهم وضيق قاعدتهم فالشعارات الحقيقية والناجحة هي الثابتة من الواقع والممثلة له وليست ساقطة فوقه والمفتقرة الى برنامج سياسي يخدمه ويفسره او ذو الوان هجينة لا يقرها الذوق الاردني..
لا يجوز ان تنصرف حركة الاحتجاج الاردنية الى عقلية الابتزاز والمساومة وان تدخل الى اجندات ضيقة لتلميع هذا الطرف او ذاك وان تكتفي من الغنائم بابتزاز الحكومة في منصب او واجهة عشائرية أو انشاء بلدية او مطالب متهافتة يدرك اصحابها انها تصب في جيوبهم وليس في خدمة الرأي العام او المصلحة الوطنية..
لتتوقف عقلية الابتزاز وقطع الطريق والانقسام والانشطار ولتتوقف ايضاً بالمقابل سلوكيات الركض وراء هذه الفئات وارضائها ورشوتها ليتوقف كل ذلك الا دخلنا في الجدار!(الرأي)