الشارع الأردني لا يطلب التعجيز

مطالب الشارع الأردني كلّها, أو في أغلبيتها الساحقة, تدور ضمن دائرة المعقول والممكن, حتى لو كانت قاسية في بعضها, أو مرتفعة في سقفها كما يقال أحياناً, فهي كلّها لا تخرج عن دائرة المطالبة بتغيير النهج وتغيير السياسات, وليس تبديل الوجوه وتغيير الشخصيات, وهي جليةٌ في عبارتهم الصريحة والواضحة, عندما يجمعون على شعار (الشعب يريد إصلاح النظام).
الطلب الصريح بضرورة نقل الأردن إلى مرحلة الحريّة والديمقراطية الحقيقية, والمشاركة الشعبية الفاعلة في تقرير المصير, واختيار الحكومات ومحاسبة الفاسدين ومنعهم من اللعب والعبث بمقدرات الأمّة, والعمل على بناء منظومة صالحة من التشريعات والقوانين والأنظمة والتعليمات التي تكرّس العمل المؤسسي, وترسّخ مفهوم دولة الدستور والقانون, القائمة على مبدأ المواطنة, والتخلص من آثار حقبة الشللية والمحسوبية والجهويّة والعصبويّة الضيقة, إلى مرحلة القدرة على فرز الأكفياء الأمناء في تولّي المسؤولية, كل ذلك لا يعد إطلاقاً ضرباً من التعنّت والطلبات التعجيزيّة التي تستطيعها مؤسسات القرار.
الشعب يريد صدقاً في التوجه, وإرادة في تغيير منهجية إدارة الدولة تغييراً جذريّاً, من خلال الدلائل والمؤشرات الواقعية في الميدان وليس من خلال الوعود والتصريحات والخطابات, والمجاملات التي ملّ منها الشعب الأردني, وما عاد يملك القدرة على سماع المزيد.
ويقول الناس بصراحة, أنّهم متخوفون من أنّ التغيير الجديد ما هو إلاّ عبارة عن الإتيان بوجوه جديدة, وعناصر نظيفة, وشخصيات مقبولة; من أجل تنفيس الاحتقان, وتهدئة الشارع, وترضية الخواطر ضمن إطار بقاء المنهجية السابقة من دون إحداث تغيير جوهري على المعادلة القائمة في الحكم والإدارة.
بمعنى زيادة الكرم وفتح الباب على مصراعيه للتصريحات التي تريد تدعيم الحريات وحماية الحقوق ومحاربة الفساد, وتحسين الحياة المعيشية, ورفع كفاءة الأجهزة العاملة, وتعزيز مسيرة الديمقراطية, وغير ذلك ممّا لا عدّ له ولا حصر من مصطلحات وشعارات رنّانة, ولكن كلّ ذلك من دون تمكين الشعب من استعادة سلطته الحقيقية والفعلية التي تعبّر عن مضمون النص الدستوري (الشعب الأردنيّ مصدر السلطات), وإذا ما بقيت الأمور ضمن هذه الحدود, فسوف تكون كل هذه التعيينات والتغييرات صرخةً في واد, ونفخة في رماد.
ما يريده الشعب الأردني واضحٌ وجليّ, وبسيط, لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والتعليل, فالشعب يريد أن يعيش في ديمقراطية تمكنه من اختيار رئيس الحكومة والوزراء من خلال صناديق الاقتراع كل أربع سنوات , مثل كل الديمقراطيات في العالم , ونحن لسنا بدعاً من الشعوب .
كيف تقنع الحكومة جموع الشباب بأنّها جادّة في إعادة بناء الثقة المهزوزة بل المعدومة, التي عملت الحكومات المتعاقبة على هدمها خلال سنوات طوال مستمرة, والذين يشكلون 70 % من سكان البلاد?.
اعتقد أنّ قراراً جريئاً وحازماً من الرئيس وفريقه في إعادة النظر في تعليمات مجالس الطلبة , بحيث يعاد انتخابها وفقاً لقانون عادل وعصري , بمنتهى الحرّية والشفافية , وكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في الجامعات, والعملية التعليمية برمتها, وإعادة الروح التشاركيّة والحريّة السياسية إلى الساحات الجامعية سوف يعد بادرة حقيقية ومؤشرا حقيقيا على جدية الحكومة الجديدة .(العرب اليوم)