دعوة لوقف إطلاق النيران

تم نشره الجمعة 21st تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 01:00 صباحاً
دعوة لوقف إطلاق النيران
فهمي هويدي
أدعو إلى وقف إطلاق النار بين المسلمين والأقباط في مصر. وأقصد به الشحن التعبوي الذي يملأ النفوس بالنفور والبغض طول الوقت. وأزعم أن كل ما ندعو إليه من جهود للإصلاح أو ترميم العلاقة بين الطرفين لن تؤدي ثمارها طالما استمرت عمليات الشحن هذه ولم نضع لها حدا. أدري أن التعصب أصبح يعشش في أرجاء بلادنا، ومن التسطيح والخفة أن ينسب إلى طرف دون آخر، أو أن يؤرخ البعض للتعصب بظهور الجماعات الإسلامية أو ما يسمى بالإسلام السياسي. ذلك أن بعض الأمور التي يثار من حولها الجدل الآن وتعتبر موضوعات خلافية (التمثيل في وظائف الدولة والمجالس المنتخبة مثلا) ناقشه قبل مئة عام المؤتمر المصري (انعقد في 29 أبريل سنة 1911) قبل أن تعرف مصر ظاهرة «الصحوة» أو ما يسمى بالإسلام السياسي.
تحليل ظاهرة التعصب تتداخل فيه عوامل عدة تختلف من مجتمع إلى آخر، وهي ليست دينية أو ثقافية فحسب، ولكنها اجتماعية وسياسية أيضا. ولأساتدة علم الاجتماع كلام كثير في هذا الصدد لا مجال للخوض فيه الآن، لأنني في الوقت الراهن معنى بأمرين أولهما التحذير من تسطيح المسألة وعدم اختزالها في سبب واحد أو فئة دون أخرى. وثانيهما وهو الأهم هو التصدي لعوامل تأجيجية وتحويله إلى مفجر يستهلك طاقة المجتمع ويصرف الناس عما هو أهم وأعمق في حياتهم.
تعدد منابع الشحن والتعبئة المضادة التي تشيع المفاهيم المغلوطة وتزرع بذور البغض والفتنة. فمنها الموروث الشائع ومنها خطاب الدعاة والقسس عبر المنابر الدينية والفضائيات والمطبوعات، وبينها الثقافة السلفية المشتبكة مع كل من عدا السلفيين من مسلمين وغير مسلمين.
أدري أننا لن نستطيع في الأمد القصير أن نتصدى لكل مصادر الاحتقان، خصوصا ما كان منها موروثا تاريخيا، لكن ذلك لا يحول دون أن نفهم طبيعة تلك المصادر من ناحية، وأن نتعامل بجدية وحزم مع ما كان منها في متناول أيدينا من ناحية ثانية، أن ثمة تركيزا على عمليات الشحن التي تصدر عن الدعاة المسلمين سواء في مواعظهم أو في القنوات الفضائية التي تعبر عنهم أو فيما يصدر عنهم من كتابات، وهذا شيء مفهوم سواء لأنه يحتل حيزا كبيرا في الفضاء الثقافي أو لأنه يعلن على الملأ. ومن المهم أن يرصد باستمرار ما يصدر عن تلك المنابر متجاوزا حدود اللياقة فيما يخص الديانات الأخرى وأن يساءل المسئولون عن ذلك التجاوز.
من ناحية أخرى، ثمة سكوت غير مبرر على ما يصدر من تجاوزات من المنابر القبطية المماثلة، التي تسهم بدور كبير في التعبئة المضادة وتسميم الأجواء. وثمة معلومات متواترة وتسجيلات متداولة لما يردده البعض في داخل الكنائس في هذا الصدد. وثمة كتب مطبوعة ومنشورة وفضائيات يسمعها كل أحد تقدم دروسا يومية في تعميم الكراهية، وتسهم في تشكيل إدراك يؤسس للمفاصلة ورفض العيش المشترك. مع فارق جوهري هو أن أغلب الدعاة المسلمين يحسبون على جماعاتهم ولا علاقة لهم بما نسميه المؤسسة الدينية. حيث الباب مفتوح لكل من هب ودب أن يقول ما عنده بغير ضوابط، إلا إذا تعلق الأمر بأمن الدولة بمفهومه السياسي. أما نظائرهم من الأقباط فإنهم لا يعتلون منابرهم إلا إذا تم ترسيمهم من قبل الكنيسة. بما يعني أنهم يمثلون المؤسسة الدينية بالدرجة الأولى. لذلك فإن وقع كلامهم وتأثيره يكون أكبر وأعمق. والتصدي لهذا الموضوع ينبغي أن يتم على مستويين على الأقل، الأول يتمثل في الموقف الحازم للمؤسسة الدينية على الجانبين، والثاني بالتطبيق الشجاع لنص القانون الجنائي الذي يجرم إزدراء الأديان. وهو ما أدعو إلى توسيع طاقته ليشمل حتى خطاب السلفيين إذا اتسم بالتجاوز والمساس بغير المسلمين.
سوف ادهش إذا أغضب هذا الكلام أحدا، كما حدث من قبل حين أطلقت دعوى إخضاع موارد الكنائس المالية لإشراف الجهاز المركزي للمحاسبات تطبيقا للقانون الذي تخضع له المساجد. وأثار ذلك احتجاج شرائح واسعة من الأقباط، مع أنه ليس أكثر من دعوة لاحترام القانون وسريانه على مؤسسات المجتمع دون استثناء.
لست أشك في أن جهودا ينبغي أن تبذل لتجفيف ينابيع التعصب وتوسيع نطاق التفاعل والعيش المشترك، وأزعم أن الممارسة الديمقراطية وإحياء الحلم المشترك تحتل موقعا متقدما منها. لكن هدفا جليلا كذلك الذي نسعى إليه لن نبلغه إلا إذا قطعنا أشواطا عدة. وأحسب أن تطهير الأجواء من الاحتقان وعوامل التسميم يحتل أولوية في ذلك المسار. فضلا عن أن خطوة من ذلك القبيل في متناول أيدينا، ولسنا مضطرين إلى انتظار إحداث تغيير سياسي واسع النطاق لإنجازها. (السبيل)


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات