جوارحٌ وكواسِرٌ وطرائد..

في العقود الأربعة الأخيرة ، مارست الشركات وبيوت المال الكبرى في الغرب، أشكالا مختلفة من الغواية والتضليل، بهدف امتلاك ثروات الشعوب ومقدراتها، وذلك عبر آليات الاقراض والدين والاستثمار والتشغيل والتنمية. وفي سياق تلك الغواية، عبرت تسميات الدول والمجتمعات الفقيرة رحلة طويلة، من تجميل الأسماء المستخدمة في وصفها: فمِن دول متخلفة، إلى دول فقيرة، إلى دول العالم الثالث، إلى دول نامية، ومن ثم إلى دول فاشلة.
واليوم، وبعد الأزمة المالية العالمية، التي تجاوزتها معظم الدول الكبرى، لتدخل أشكالاً أخرى مِن أزمات الرأسمالية، فإن الدول الفقيرة، التي عاشت على الديون والقروض، وانفقت أكبر بكثير من مداخيلها الوطنية، تتهددها مخاطر جديدة. وهي تتمثل في صناديق استثمار، باتت تعرف بـصناديق الكواسر، التي تشتري ديون الدول الفقيرة، بعد الأزمة المالية العالمية، أو في مرحلة تصفية مشكلاتها لدى المصارف وبيوت المال والشركات الكبرى، وذلك بأسعار زهيدة وبخسة. ثم تعود هذه الصناديق، لتضع يدها على ثروات ومقدرات البلدان، التي وقعت في براثنها، وذلك باستخدام كل وسائل الإكراه القضائي، والقانوني، التي تضعها بين يديها الدول الغربية المتقدمة، ومؤسسات القانون الدولي، بما فيها بعض مؤسسات الأمم المتحدة. وهي تستخدم في ذلك أساليب أقرب إلى الوسائل التي تم استخدامها زمن الحقبة الاستعمارية.
فحيث تعجز الدول الفقيرة، عن تأمين حماية قانونية لنفسها، وبتواطؤ بعض المسؤولين في تلك الدول، بما يسهل العمل القانوني لـصناديق الاستثمار المتخصصة، التي تعمل عبر آلية شراء ديون تلك الدول في الأسواق الثانوية بأسعار رخيصة جدا، ثم وضع آلية تحصيل قانونية بواسطة المحاكم، تطالب بالمبالغ الأصلية للديون، يضاف إليها الفوائد والمصاريف القضائية وأتعاب المحاماة. حيث تضج المحاكم الأوروبية اليوم بالعديد من هذه القضايا المرفوعة ضد دول فقيرة.
وقد شكلت كثير من الحكومات الغربية وكالات حكومية متخصصة، تستند إلى شبكة من خبراء قانونيين، يجري عبرها جني ثروات طائلة، وذلك عبر استخدام مفرط لـقانون حماية الاستثمارات الغربية، وخصوصا الاستثمارات الأميركية منها. حيث يعتبر هذا القانون الممر اللازم والمحتوم، للحصول على مساعدات من الدول الغنية.
وقد وصل الجشع بأحد صناديق الكواسر أن حصل من احدى دول أميركا اللاتينية على نحو مليار ونصف المليار دولار، لتسديد دين أصلي بقيمة سبعة وثمانين مليون دولار.
وفي مقابل ذلك، تنشط اليوم بعض الجمعيات المهتمة بتطبيق القانون الدولي، للمطالبة بتطبيق القوانين الوطنية، وذلك استنادا إلى "مبدأ كالفو" الأرجنتيني، العائد إلى القرن التاسع عشر، والذي يضع كل موجودات الدولة تحت سلطتها السيادية، ما يمكنها من معالجة نزاعاتها، مع الدول الدائنة، ضمن اطار قوانينها الوطنية ولكن ماذا يمكن ان يفعل صراخ الجماعات الصغيرة، لردع جشع كواسر انشبت أنيابها في أجساد ضعيفة، أوهن الفساد المزمن قواها وإراداتها..؟!.(الدستور)