فوق ركامِ الخراب..

تم نشره الإثنين 24 تشرين الأوّل / أكتوبر 2011 01:12 صباحاً
فوق ركامِ الخراب..
راكان المجالي

في الأزمان الرخوة، كتلك التي نعيشها، تتزايد الحاجة الى العودة الى تقليد ثقافي عريق، قوامه الأساسي نقد التناقضات والصعوبات، التي يعاني منها الانسان في المجتمعات الصناعية المعاصرة، بما في ذلك المجتمعات المتشكلة على هوامشها وأطرافها. وهو تقليد ثقافي شكّل مدرسة فلسفية فاعلة، تقوم على طرح مشكلات العالم المعاصر، عبر مفاهيم بارزة: الاغتراب، التشيئ، العنف المتفاقم، الحضارة القمعية، سيطرة التقنية على حرية الانسان، وغيرها.

وهي مدرسة تشكل في مضمونها توجها فكريا قائما بذاته، يقود الى تجاوز آليات السيطرة والقهر في المجتمع الصناعي، وصولا الى نقد البنية العقلية، والمشاريع الفكرية، القابعة خلف خراب العالم.

وهنا، لا بد من التنبّه الى ان القراءات الفكرية، سواء كانت غربية حديثة او عربية قديمة، شيء، ومواكبة المستجدات الفكرية والطفرات المعرفية شيء آخر تماما. كما ان منهجية النقد المطروحة هنا تقضي بالموازنة بين مختلف الاتجاهات والهموم، كالاهتمام بالفرد من دون نسيان المجتمع، والاهتمام بالعالمي من دون التخلي عن المحلي، والاهتمام بالفكري والنظري من دون الابتعاد عن الواقع المعقد والمباشر.

فالتقدم العلمي والتقني، الذي اجتاح العالم في القرن العشرين، لم يوصل الى عالم مسالم وعادل، او عالم اكثر حرية وانسانية، بل ربما كان العكس تماما هو ما حدث، فالانجازات التقنية، وعلى الرغم من انها ساعدت الانسان في السيطرة على الطبيعة، وتحقيق حدود من الرفاهية والوفرة الاقتصادية، إلا انها في الوقت ذاته جلبت للبشرية حروبا هائلة، راح ضحيتها الملايين، وقنابل نووية، وإعلاما منحازاً، تحول فيه الانسان الى مجرد تابع لآليات التقنية ولمصالح الشركات الكبرى.

وفي سياق حشود المشكلات، التي يعاني منها العالم العربي، اجتماعية وسياسية وثقافية، يأتي نقد مشروع الحداثة العربي، كواحد من الضرورات الملحة. وهو ضرورة، لانه، إن حدث، فإنما يؤسس الى فكر نقدي جديد ومختلف. فالمثقفون العرب، وعلى اختلاف مرجعياتهم، كانوا من حيث الشكل مفكرين تقدميين وعقلانيين وتحرريين، أما في الجوهر فقد كانوا لاهوتيين تقليديين، عابدين لمذهب معين، على حد تعبير أحد المفكرين اللبنانيين. فتحولت كل جماعة ثقافية الى الاصطفاف وراء زعيم معين، عالمي او محلي. ما أدى الى ضياع الفواصل بين الاصولي والحداثي، وبين الطائفي والمقاوم للغرب، وبين الاشتراكي والعشائري.

وهنا، تصعب تبرئة أحد، فالمآزق والخراب، الذي آلت اليه أحوالنا، هو مِن صُنعنا نحن أولا، أما الغرب ومصالحه الاستعمارية، فتأتي بالدرجة الثانية من حيث المسؤولية. لأنّ من حقائق الاشياء: ان كل أمة هي المسؤولة عن تسامح فئاتها، وعن تفاهم افرادها وحماية مصالحها.

بحرٌ من الفتن الطائفية، والحروب الاهلية، والصراعات السياسية، يجتاح البلاد والأمة، ووسط كل هذا الدمار والخراب، والعنف الداخلي المتزايد، تتضاعف الحاجة الى مشروع ينقذ الأمة . ولكن، كيف..؟!.

بالعقل التواصلي، والحوار الايجابي، والحسّ النقدي، والمسؤولية الاخلاقية، كمفاهيم يعوّل عليها، لتحقيق فهم عقلاني ومنطقي للمجتمع العربي. بحيث تسود لغة الحوار والتسامح والنقد البناء، بدلا من روح التعصب والتكفير والاقصاء. هذا ما يقترحه المفكر اللبناني علي حرب، في كتابه تواطؤ الأضداد: الآلهة الجدد وخراب العالم . وهنا، تقضي الحقيقة بالتساؤل عن الامكانية التي توفرها الأضداد للحل او للنقد او للخلاص، عند تواطئها ، سيما اذا جرى تتويجها آلهة جديدة فوق ركام الخراب ..؟!(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات