أول أزهار النهوض العربي في تونس

ترتفع معنويات الشعب التونسي البطل, وهو ينجز أول انتخابات حرّة نزيهة في تاريخه منذ الاستقلال, ولأوّل مرة يخوض الشعب التونسي انتخابات ليست محددة النتائج سلفاً, ولم تكن نموذجاً مسرحيّاً هزيلاً لصبغ الشرعية على حكم الاستبداد والديكتاتورية المقيتة.
يحق للشعب التونسي أن يفخر, ويرفع رأسه عالياً; لأنّه أول من فجّر ثورة العرب الحديثة على حقبة الظلم والقمع والكبت, وأول شعب عربي يتخطى أول محطة انتخابات حقيقية للمجلس التأسيسي, الذي سوف يتحمّل صياغة دولة تونس الحديثة, التي تتسم بالديمقراطية الأصيلة, وتحترم إرادة الشعب التونسي, وتقر بالتعددية على طريق ايجاد نظام عادل قادر على استثمار كل طاقات الشعب التونسي واحتواء ما يزخر فيه من كفاءات وقدرات بعيداً عن منهج الإقصاء والاستحواذ والاستفراد بالسلطة.
استطاع حزب النهضة الذي تعرّض لأبشع أنواع المطاردة والتضييق في حقبة الرئيس المخلوع من إعدامات بالجملة, إلى اعتقال ما يزيد على (30) ألفا من أعضائه ومؤيديه, وتشريد الطاقات والكفاءات والعلماء إلى المهجر, استطاع خلال فترة قصيرة أن يعيد بناء ذاته, ويستعيد جماهيره ومؤيديه, ليخوض الانتخابات الأولى ويحقق الفوز المبهر, الذي يعبّر عن أصالة هذا الشعب, وأن يضرب نموذجاً لكل الشعوب العربية التواقة للحرية والعدالة والكرامة, وأنّها تختزن في أعماقها ثورة فكرية هائلة تستند إلى موروثها الحضاري ومنظومتها القيميّة السامية, التي تملك مقومات النهوض والاستفاقة, وأنّها قادرة على إعادتها بسرعة هائلة لا تعرفها الأمم الأخرى, وليثبت هذا الشعب وهذه الأمّة أنّها عصيّة على الذوبان, وعصيّة على مؤامرات المستعمر وأذنابهم.
تونس الجديدة المتحضرة الحرّة الأبيّة, التي سوف تشرع في الأيام القادمة في بناء النموذج العربي الأول الذي تُحترم فيه إرادة الإنسان, وتصان فيه حرمته وكرامته وآدميته, والتي ستعتمد على ذاتها وإنسانها بعيداً عن التبعية ومنهجية استيراد القيم والأنظمة والقوالب الجاهزة من الخارج.
إنّ الانتخابات العامة الناجحة التي جرت في تونس, ويشهد لها كل المراقبين الخارجيين والداخليين, بأنّها من أفضل عمليات الانتخاب في العالم, مؤشر عملي ايجابي مبشر على نجاح التونسيين في اجتياز أهمّ مرحلة انتقالية في تاريخ تونس الحديث, ولتكون عملية تسليم الحكم ومؤسساته وأنظمته ومفاصله إلى جيل جديد من التونسيين الأحرار الذين صنعوا فجر تونس المشرق, وأشعلوا الشرارة لثورة النهوض العربي في جميع أقطاره الأخرى.
إنّ النجاح الذي يصنعه التونسيون على الأرض, هو الردّ الصحيح والمفحم على المشككين والمحبِطين, وكل ألسنة السوء التابعة للنظام العربي الاستبدادي البائد, أو التي لا تنتمي لهذه الأمّة وتنظر بعين الريبة إلى مشروع الأمّة الإصلاحي النهضوي القادم لا محالة, ويحمل معاني الأصالة والاستقلالية, وله سماته الخاصة ومضامينه الذاتية, ورسالته المختلفة, التي تملك وجهة نظر متكاملة لحل مشاكل العالم, وخاصّة الاقتصادية منها, التي تثور بشأنها شعوب العالم الغربي الرأسمالي المتوحش الذي يكرّس مصلحة الأقليّة على حساب الأكثرية الساحقة.
(العرب اليوم)