مات (ابو زيد)

من المستبعد أن يوجد رجل أو امرأة في الرمثا لا يوجد له أو لها ذكريات مع "ابوزيد", أقدم وأشهر صانع حلوى ومُحمّص بذور في تلك المنطقة, الذي توفي منذ يومين عن عمر يقارب التسعين عاماً.
أبوزيد قصة من القصص الجميلة في الرمثا, عندما سافر في مطلع الأربعينيات الى فلسطين مع الأردنيين الذي كانوا يسافرون للعمل في الساحل الفلسطيني, استهوته دون غيره صناعة الحلوى ومنتجات المحامص, وعندما عاد شكّل ظاهرة خاصة في قريته الفلاحية, إنه الولد الذكي الذي يتقن إدخال حبة الحمص داخل إطار من السكر فيصنع منها "الفيصلية" و"المخشرم" و"القوم". وهذا الأخير "القوم", كان يعتبر حلوى الحصّادين والدرّاسين بلا منازع, وكان يبيعه لهم ساخناً, ففي موسم الحصاد والدّراس كان أبوزيد ينقل أدواته الى البيادر, حيث لا ألذ من كيس »قوم« من عند ابو زيد, طعم لا ينسى فعلاً.
الأطفال لهم نصيب كبير من حلوى وبذور أبوزيد المحمصة, فالطفل الذي يتلقى "براكته" (وهي حفنات القمح التي يوزعها الفلاح على الأولاد على سبيل مباركة المحصول) كان يسرع بها الى أبوزيد لكي يقايضها بحفنة من "فيصلية" أو "قمبز" أو قطعة من "كعيكبان". أما حلوى المناسبات في بيئة فلاحية فكانت الاختصاص البارز له, يكفي ان تقول له "حلوى نفاس" أو "حلوى طهور" حتى يجهز لك المطلوب.
زرته قبل وفاته مرتين وسجّلت بعضاً من ذكرياته, فقد ظل مواظباً على عمله في دكانه الصغيرة حتى شهوره الأخيرة. وقد لفتت انتباهي أناقته, فصانع الحلوى لا بد وأن يكون حلو المنظر, وعندما سألته عن ذلك ضحك وذكر لي أنه صنع الى جانب الحلوى بعض أدوات الزينة لأهل الرمثا, فهو اول من صنع "طلاء الأظافر" مثلاً, وكان ذلك في الستينيات.
أبو زيد, سيرة تختصر كل ما هو حلو وجميل في الرمثا التي افتقدته.. رحمه الله.
(العرب اليوم)