الاقتصاد الوطني والمالية العامة

إذا أخـذنا الظروف الإقليمية والدولية بالاعتبار ، يمكننا الزعم بأن الاقتصاد الأردني في حالة مقبولـة بل جيـدة إجمالاً ، وأن المشكلة الحقيقية تتركز فقط في المالية العامة - عجز الموازنة والمديونية.
الظروف الإقليمية التي نقصدها تتلخص في الربيع العربي الذي ذهب بالاستقرار السابق على علاته ، وجعل الاحتمالات مفتوحـة على مصراعيها ، مما خلق مناخاً من عدم التأكد ، فكل شيء ممكن ، والنتيجـة الانتظار أو الجمود الاستثماري والركود الاقتصادي إلى أن يهـدأ الغبار.
أما الظروف الدوليـة فتتلخص في أزمات العالم الرأسمالي المتقـدم ، ففي أميركا ركود اقتصادي ، ومديونية عالية ، وبطالة عنيـدة ترفض التجاوب مع إجـراءات التحفيز التي كلفت مئات المليارات من الدولارات. والاتحاد الأوروبي يعاني بدوره من أزمة مديونية ثقيلـة ، ويفرض على أعضائه إتباع سياسات تقشـفية لإنقاص عجز الموازنة إلى مستوى 3% ، وعـدم التورط في المزيد من المديونية ، أي التضحية بالنمو والشـعبية من أجل السلامة والأمن.
في ظل هـذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية غير المواتية ، يعتبر إنجازاً أن لا يتحقـق تراجع في الاقتصاد الأردني ، بل على العكس من ذلك فقد شـهدنا نمواً إيجابياً ولو كان متدنيـاً بالمقاييس التاريخية.
المشكلة الحقيقيـة التي تهدد الاسـتقرار والأمن الاقتصاديين هي مشكلة العجـز المتفاقـم في الموازنة العامة ، فالنفقات الجارية تتضخـم بتسارع في ظل جمـود وتراجع الإيرادات ، حيث تتسع الفجوة وتتـم تغطيتها بالاقتراض محلياً وخارجياً. وتتصرف الحكومة وكأن الأردن دولة رفاهيـة.
الاقتراض مسموح به في الحالات الطارئة ، ولأغراض رأسمالية محددة ، وفي حدود معينة ، أما أن يصبح أسـلوباً روتينياً لتمويل نفقـات عامة منفلتة ، فالنتيجـة الحتمية هي الأزمة.
صحيح أن هناك بلداناً تعاني من عجز في موازناتها أكبر من العجز في الموازنة الأردنية ، ومتورطة في المديونية إلى مسـتويات تفوق حسـابياً المستوى الذي وصل إليه الدين العام الأردني ، ولكن ماليـة تلك الدول متينـة ومدعومـة باقتصادات قوية ، ومديونيتها محررة بعملتها.
أما بلـد صغير ونام كالأردن ، فعليه أن يكون في غاية التحفـظ والبعـد عن المخاطرة وتجنب الوقـوع في أزمة كتلك التي عشـناها قبل ربع قرن.
لقد ثبـت أن زيادة الإنفاق العام لا تحقـق النمو ولكن ، حتى لو كان الأمر خلاف ذلك فإن الأمن أولى من النمـو.
(الرأي)