عن الركن النيابي!

ظل التكريس دائماً للسلطة التنفيذية وليس للتشريعية بنفس القدر وظلت الحكومات المتعاقبة تعتقد أنها تستطيع ان تنجز دون ان يوازيها برلمان قوي يضمن تشريعات أفضل ورقابة قادرة على منع الخلل وتراكم الاخطاء وبالتالي الفساد..وفي فترات عديدة تماهت الحكومات مع البرلمانات والتغت الفواصل ولم يقع الفصل الكافي بين السلطات فألغت أعمال بعضها أو صادرتها أو أفقدتها دورها..
النتيجة كانت حكومات ضعيفة وبرلمان يستسهل تجاوزه أو حتى حله أو التشكيك بصناعته الى ان وصلنا الى معادلة لا نستطيع الاستمرار فيها خاصة وأن المرحلة تتطلب نهوضاً عاماً وقبول التحديات التي تفرضها تطورات المنطقة في الربيع العربي والتوجهات العالمية في تعظيم حقوق الانسان وبالتالي المشاركة الشعبية وضمان حريات عامة عديدة منها حرية التعبير..
هذه المرحلة يلزمها أثاث ديموقراطي مختلف..صلب وقابل للتحمل والاستعمال كما يلزمنا وضوح في دور كل سلطة من السلطات بالفصل بينها وتحميلها مسؤولية دورها ومحاسبتها عليه..
الحكومة بالتصويت عليها..والبرلمان من خلال صندوق الاقتراع..ولأن الحكم كما جاء في الدستور ملكي نيابي وراثي فإن الركن الذي يحتاج للتعزيز لتحافظ كل الصفات الاخرى للحكم على منعتها وتوافقها هو الركن البرلماني الذي يحتاج الى تكريس والى احياء أو تجديد دوره والى حماية هذا الدور بنص القانون وتطبيق الدستور ولما كانت هذه الصيانة وهذا الدور يحتاج لذلك فإن الضمانة هو في قانون انتخاب جديد وحديث يلبي المشاركة ويضمن التمثيل الاوسع حتى يكون الاطار النيابي محدداً وحتى يكون الركن النيابي منيعاً..
اذن لا بد من استكمال البنية التشريعية للاصلاح العام والسياسي تحديداً وعلى رأسه قانون انتخاب يعزز الركن النيابي وحين يكون هذا الركن معززاً فإن ما يبنى عليه سيعلو ويتطور..
قوة البرلمان تعني بالضرورة اختيار حكومات قوية تلد من رحم البرلمان من خلال ما تفرزه الاحزاب المتنافسة بالبرامج تحت القبة حين تضمن الانتخابات النزيهة وصول ممثلي الشعب من خلال احزابهم وهنا مسألة لا تستطيع القرارات الجاهزة ان تحسم فيها الا لجهة توفير مناخ بناء الاحزاب والسماح لكل الشرائح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ان تعبر عن نفسها من خلال هذه الاحزاب وعندها يستكمل البناء..
صحيح ان الناس لا تقاد الى الاحزاب بسلاسل ولكن اذا ما قامت الاحزاب في بيئات حقيقية تنافسية ببرامج جذابة فإن الناس يذهبون اليها وينخرطون فيها ولا يساقون اليها لا بسلاسل ولا حتى بنداءات أو حث وانما تدفعهم مصالحهم الى ذلك وهنا تكمن المشكلة في الوضع القائم الذي هو ثمرة حالة تخويف من الاحزاب وتهميش لها وعدم استعمال بضاعتها وان استعملت بالتوزير او التعيين في الوظائف العامة كانت الاعتبارات الاخرى غير الحزبية هي الدافع وان ظهر غير ذلك أو جرى الادعاء بغير ذلك..
الحزب مدرسة لتدريب الكوادر على العمل العام والسياسي والمشترك وحين تنافس بحرية وبأساليب شفافة وشريفة فإنها ستقدم أفضل ما عندها فإن ما توجه اليها الجمهور لينتخب على اساسها وليس على أسس أخرى وفازت كان لها الحق في التمثيل عبر مؤسسة البرلمان..
أعتقد أنه حان الوقت لحسم الجدل والخلافات حول تشكيل الحكومات وقد حسم الملك الامر بحديثه عن حكومة برلمانية منتخبة..ويبقى ان تعمل مختلف الجهات الوطنية وبسرعة على انجاز ذلك سواء بتوفير البنية التشريعية أو الاجرائية أو التنفيذية أو حتى التعبوية والوطنية العامة اذ لا تستطيع ان تدعو بالقول الى فكرة وتنفيها بالعمل أو بالاجراء في التطبيق وهذا ما كنا نفعله باستمرار حين كانت ألسنتنا مع الاحزاب وقلوبنا عليها..
بانتظار ان نبني برلمان على اسس جديدة من خلال قانون انتخاب جديد لتعزيز الركن النيابي الذي هو صفة لازمة من صفات الحكم في المملكة تقترن بالملكية وطبيعتها الوراثية..
ولعل المطلوب الان الخروج من الدائرة المغلقة في العلاقة بين الحكومة والبرلمان في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة التي لا تدور فيها هذه الحلقة بسرعة وعلينا ان نبتكر الطريقة الافضل وبسلاح القانون وحماية الدستور في تدشين المرحلة الجديدة.. فهل نفعل وهل يأخذنا التفاؤل والشفافية التي رأيناها أمس الاول في انتخاب رئيس مجلس النواب بهذا الشكل الديموقراطي النزيه والبعيد عن الضوء الاحمر والاخضر أو أي تدخلات الى مرحلة جديدة وقد أعددنا للرحلة ما يضمن السلامة من خلال حافلة الديموقراطية..
(الرأي)