سوريا والجامعة.. فرصة للحل السياسي

توفر مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة السورية، خشبة خلاص للجميع، نظاما ومعارضة، على حد سواء، مع أنها تملي على الجميع «تنازلات مؤلمة»، ونعتذر عن استخدام هذا التعبير الذي طالما استعملته إسرائيل في وصف تنازلاتها أمام الفلسطينيين (؟!)، النظام يجب أن يعلم أنه ما عاد بمقدوره أن يواصل الحكم بوسائلها القديمة، والمعارضة عليها أن تخفض سقف توقعاتها، خصوصا حين يتصل الأمر بالحسم وسحب الاعتراف بالنظام ومنحه للمعارضة، وطلب التدخل والحماية الدوليين، جميع هذه المطالب، لم تعد قائمة طالما ظلت المبادرة العربية، قائمة على ساقيها.
لسنا على بيّنة بكافة الدقائق والتفاصيل، لكن ما نشر وتسرب من معلومات، يشي بأن ثمة «خريطة طريق»، تبدأ بوقف العنف وتبديد الاحتقان وبناء الثقة والشروع في الحوار، وصولاً لإتخاذ سلسلة من الخطوات التي من شأنها إنهاء احتكار البعث وفتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا.
لكن ثمة أسئلة كبيرة ما زالت تواجهنا، نحن الذين نتابع بقلق مجريات الأزمة السورية، هل جنح النظام أخيراً للحل السياسي والتفاوضي مع شعبه، هل غادر «مربع الإنكار والمكابرة»، هل قرر فعلاً أن لحظة الحقيقة والاستحقاق قد أزفت، وأنه لا بد مما ليس منه بدّ، أم أننا أمام مناورة جديدة من مناوراته، أمام محاولة جديدة لشراء الوقت وتقطيعه، هل نحن أمام توجه صادق للإصلاح أم أمام خديعة كبرى، هدفها استدراج المعارضة وتفريغ شحنة الثورة وقطع الطريق عليها؟ في المقابل، ما الذي ستفعله المعارضة المشتتة والمنقسمة على نفسها، هل ستجنح بدورها للحوار والمصالحة توطئة للإصلاح، هل يمكنها أن تفعل ذلك في الوقت الي ما زال ينتظرها حكم الإعدام في موطنها، لا لشيء إلا لأنها «معارضة»؟، ألم تتحول المعارضة إلى «حرفة» تمارسها فئات لا وظيفة لها ولا تمثيل، ولا حياة لها خارج إطار الأزمة، فإي اقتراب من الحل، سوف يكشف الحدود الضيقة لشعبية هذه المعارضة وقدرتها التمثيلية.
وماذا عن الأجندات الإقليمية والدولية الخاصة بسوريا، هل يمكن أن تكتفي بعض الأطراف بقبول النظام السوري بورقة الجامعة العربية، وماذا عن مطالبات هذه الأطراف بتغييرات جوهرية في سياستها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية والدولية، ماذا عن الذين شنّوا أعنف حملات العداء لسوريا، لا لنقص في نواياها الإصلاحية، بل رغبة في فك عرى تحالفها مع إيران وحماس وحزب الله، ودفعها للتكيف مع مندرجات الاستراتيجيات والسياسات الأمريكية في المنطقة، هل سترتضي بحل للأزمة السورية، لا يأخذ هذه «الرغبات والنوايا والأجندات» بنظر الاعتبار.
ثمة عراقيل كبرى، في النصوص والنفوس، على الأرض وفي الأجواء، في داخل سوريا وخارجها، لا تدفعنا لإبداء كثير من التفاؤل في اقتراب لحظة الخلاص، ولكنها المرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية التي تلوح في أفقها إرهاصات الأمل وبوارقه، لأول مرة يعترف النظام بأن ثمة أزمة تعصف بالبلاد، تتخطى «حكاية العصابات والمؤامرات»، لأول مرة يجنح النظام لخيار الحل السياسي، بعد أن عوّل كثير على خياراته الأمنية والعسكرية.
من جهتنا، نرى أن المبادرة المعارضة توفر المخرج، شريطة ألا يشعر النظام بحالة استرخاء أبداً، فهو لم يقبل بـ»تعريب» الأزمة السورية إلا بعد أن اقتربت لحظة «تدويلها»، لم يقبل بمد يده للمعارضة إلا بعد أن وجد يديه مغلولتين، غير قادرتين على البطش والتنكيل زيادة عمّا فعلتا.
ثمة عوائق كثيرة، أهمها بحر الدماء الزكية التي أريقت، تفصل بين سوريا وشاطئ الأمان، بين النظام والشعب، بين النظام والمعارضة، لكن الحوار والدبلوماسية والسياسة، كفيلة بمعالجة كل هذه الإشكاليات وتجسير الفجوات، وإنجاز المصالحة والعدالة، وملاحقة كل من قارف جرائم بحق المتظاهرين والجماهير العزلاء.
سوريا ما زالت بعيدة عن لحظة الانعتاق من أسوأ كوابيسها، بيد أنها لأول مرة تمتلك فرصة للحل السياسي، فهل نفوّتها؟.
(الدستور)