ارتفاع تكاليف المعيشة- لماذا؟

تشـير الأرقام الفعليـة للشهور التسعة الأولى من السنة، والأرقام التقديرية لما تبقى من السـنة، إلى أن معـدل التضخـم في الأردن، بمقياس تكاليف المعيشة، سوف يرتفع هذه السنة بنسـبة تتراوح حول 5% على الأقل.
هـذه النسبة مرتفعة، وهي تزيد عما هو سـائد عالمياً وإقليمياً. والسبب الأول هو ارتفاع أسعار البترول عالمياً ومحلياً.
وهنا نلاحظ بأن تقلبات أسـعار البترول لها تأثيـر قوي جـداً في الأردن يزيد عن تأثيـرها في البلدان الأخرى، فعندما انخفض سـعر البترول في عام 2009 هبط معدل التضخـم في الأردن إلى 7ر0 سالب، وعندما يرتفع عالمياً في 2011 يسجل التضخم في الأردن 5% أو أكثـر.
يعود السبب في هذه الظاهرة إلى أن استهلاك الأردن للطاقـة مبالغ فيه كثيراً لدرجة الشذوذ، فهو ينمو بمعدل 8% سـنوياً على الأقل، كما أن كلفـة المحروقات تشكل حوالي 18 إلى 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في حين لا تزيد هذه النسبة عن 5% في البلدان المتقدمـة التي تتبع وسائل توفير الطاقة وتمارس الحوافز السعرية والفنيـة لتخفيض استهلاك الطاقة.
هـذه الحساسية في الأردن لعنصر واحد هو أسعار المحروقات، تجعل تدخل السياسة النقـدية في ضبط التضخم بمنتهى الصعوبة، ذلك أن تحريك سعر الفائدة أو حجـم السيولة المتوفرة سيكون له تأثير محدود جـداً بالمقارنة مع تأثير فاتورة النفـط المستورد التي تدخل في تكاليف إنتاج معظـم السلع والخدمات بما فيها الصناعة والزراعة والنقل والاستهلاك المنزلي وغير ذلك.
في هذا المجال لابد من الإشارة بإصبع الاتهام إلى السياسة المالية غير المنضبطة، فالخزينة تنفق أكثر مما تحصل من الضرائب والرسوم فتحقن السوق بفيض من السـيولة اعتماداً على الاقتراض، أي أن ادخارات المواطنين التي تضاف إلى الودائع المصرفية تقـوم الحكومة بتحويلها إلى إنفاق استهلاكي أي أنها تقـدم ادخاراً سالباً، وتعرقل إلى أبعد الحـدود فعالية السياسـة النقديـة التي يمارسها البنك المركزي.
وإذا لم تكن السياسة المالية كافية لعرقلـة عمل السياسة النقديـة فإن بنيـة التجارة الخارجية تجعل نجاح السياسة النقدية في مكافحة التضخم أقرب إلى الاستحالـة، فالمستوردات تعادل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي ولا سيطرة للسياسة النقديـة على أسعارها.
(الرأي)