ليبراليون وتكفيريون في كأس واحدة

قبل ان نشاهد هذا التحالف الغريب على الارض, بين الليبراليين واتجاهات اسلامية معروفة, سواء في مصر او تونس او ليبيا او الاردن او سورية او اليمن.. الخ وقبل ان نشاهد في كأس واحدة ماء العلمانيين والمؤمنين..
ثمة جذور بعيدة لهذه الوقائع تعود الى الشيخ عبدالرحمن الكواكبي صاحب كتاب (طبائع الاستبداد) الذي تبين لاحقا انه ولد في مناخات الاستشراق الايطالي الذي يشبه الاستشراق الفرنسي في علاقاته القوية مع المحافل الماسونية ونفوذها في دوائر المخابرات المرتبطة بالخارجية الفرنسية وذراعها الاكاديمية (السوربون) كما هارفارد وييل والجامعة اليسوعية الامريكية..الخ.
اما الجذور القريبة لهذه المفارقة (ليبراليون وتكفيريون) في كأس واحدة, فتعود الى عام 1970 والكتابات الاولى لفيلسوف الحقبه الامريكية, بريجنسكي, فقد كان ذلك العام علامة ومحطة فاصلة ترافقت مع وفاة جمال عبدالناصر وتراجع المد القومي لصالح هويات اسلامية وليبرالية وفرعية وكيانية فما من نظام عربي الا ودخل في تواطؤ مع اوساط اسلامية لتصفية القوميين واليساريين كما ترافق هذا التواطؤ بتغلغل (الليبرالية الاقتصادية) على حساب الدور الاجتماعي الاقتصادي للدولة.. ومن مفارقات ذلك ايضا, انه ما من نظام عربي لم يدفع ثمن هذا التواطؤ باشكال مختلفة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم فعلى الصعيد السياسي, كانت البداية في مصر, حيث انقلبت اسلاميون على السادات واردوه قتيلا... وفي غمرة مناخات كامب ديفيد ورفض سورية لها شهدت صداما مسلحا مع الاسلاميين.. ودفعت الجزائر ثمنا كبيرا لسياسات الشاذلي وزروال ومحاولاتهما تصفية الارث الاشتراكي ل¯ احمد بن بلا وبومدين بالاعتماد على الجماعات الاسلامية, وكانت ليبيا آخر الساحات التي شهدت تحولات مماثلة.. اما وجه المفارقة الاكبر فهو الامريكان انفسهم فبعد تدريبهم وتسليحهم ودعمهم للاسلام المسلح في افغانستان (الجهاد الامريكي) ضد الشيوعية انقلب السحر عليهم وذاقوا من الكأس نفسها التي شربها الروس في تلك الجبال..
هذا على الصعيد السياسي, اما على الصعيد الاقتصادي - الاجتماعي فجاءت نتائج الشق الاخر من معادلة العداء والصراع مع القوميين واليسار العربي الراديكالي.. وبالا على اصحابها فقد سرعت سياسات الليبراليين والقطاع الخاص بتفجير الازمات هنا وهناك جراء سياسات النهب والافقار وتحطيم الطبقات الشعبية, وليس الحراك الشعبي العربي في كل مكان الا صدى ونتيجة لهذه السياسات التي لم تقتصر على البلدان التابعة بل امتدت واخترقت بلدانا شمولية للدولة دورها الكبير في الحياة الاقتصادية - الاجتماعية مثل سورية وليبيا.
(العرب اليوم)