عن المبادرة التي لا يرغب بها أحد

تم نشره الخميس 10 تشرين الثّاني / نوفمبر 2011 12:17 صباحاً
عن المبادرة التي لا يرغب بها أحد
عريب الرنتاوي

«ولدت ميتة»..

هذا هو الوصف الدارج للمبادرة العربية، مع أنها -من الناحية النظرية- كانت الفرصة الأخيرة للحل السياسي للازمة السورية، بل وشكلت «طاقة فرج» للخروج من النفق السوري المظلم، وعندما رحبنا بها لحظة صدورها، انطلقنا من هذه النقطة بالذات، ولم يسارونا الشك بأن فرص سقوطها أعلى بكثير من احتمالات نجاحها.

ويندر في تاريخ الأزمات وعلوم إدارتها وفنون حلّها، أن تجد مبادرة سياسية ليست مطلوبة بذاتها كالمبادرة العربية، لا أحد يريد لها النجاح، حتى الذين أطلقوها، أو معظمهم على الأقل، لكأنها مبادرة أعدت وقبلت ورفضت، لتحقيق أغراضٍ أخرى، بعيدة كل البعد عن أهدافها ومراميها ومضامينها.

النظام السوري قبل بالمبادرة، لفظياً على الأقل، ولقد تأكد صبيحة اليوم التالي، أنه لم يفعل ذلك إلا والسكين حول عنقه اولاً، وعلى أمل أن ترفضها المعارضة فتتحمل اللائمة عن فشلها ثانياً، ورهاناً على الاستظلال بمظلتها لحسم الموقف على الأرض ثالثاً، وهذا ما حصل على أية حال، فالقبول المراوغ بالمبادرة، لم يزحزح النظام عن سلوكه الدموي قيد أنملة، لقد واصل الجيش والأمن والبلطجية يومياتهم المعتادة، دون أن يرف لأحد جفن.

المعارضة السورية، التي تعامل بعضها ببراغماتية و»دهاء» مع المبادرة، لم تكن تريدها، هم يريدون الجامعة العربية، هم يريدون «الغطاء العربي» للخطوات التالية على طريق «تدويل» الأزمة، فمن دون المحطة العربية، يصعب الذهاب إلى مجلس الأمن، دون الجامعة ستكون الأيدي التركية والعربية مقيّدة، لا بأس إذن، والحالة كهذه، من اللعب على ورقة المبادرة، حتى إعلان وفاتها ودفنها رسمياً.

الجامعة العربية، صاحبة الملكية الفكرية للمبادرة، لا تريدها، أو على الأقل، الأطراف المحركة في الجامعة العربية، لا تريد المبادرة بذاتها، لقد وضعت المبادرة وصممت بحيث ترفض من النظام السوري، وهذا ما حصل، صراحة في البدء، وبصورة مضمرة في الأسبوع الأخير، المبادرة بالنسبة لبعض الأطراف التي أطلقتها، مطلوبة «ميتة»، بل وجثة هامدة، تستخدم كقنطرة لنقل الملف برمته إلى مجلس الأمن، ومن خلاله لـ»الناتو»، حتى لا يقال لاحقاً أن وظيفة الجامعة العربية، هي تمهيد الطريق لكل أشكال التدخلات الأجنبية، من ليبيا مرورا بسوريا، وربما انتهاءً باليمن، الجامعة العربية تحولت إلى «صندوق بريد» لنقل الطلبات العاجلة إلى نيويورك وبروكسيل.

لهذا ماتت المبادرة العربية، كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي، والحقيقة أن عمرها كان قصيراً للغاية، والأرجح أن تصدر شهادة وفاتها رسمياً، يوم السبت المقبل، فوزراء الخارجية العرب مستعجلون، بل ومستعجلون جداً، حينما يتعلق الأمر بسوريا، أما حين يتعلق الأمر باليمن، فما زال في الوقت متسع، مع أن فجوة الخسائر هنا وهناك، ليست على درجة كبيرة من الاتساع، هناك أيضا أسلحة ثقيلة وجيش وأجهزة وعائلة وأنجال وأخوان وأعمام وبلطجية وشبيحة.

تحت جنح المبادرة، صعد النظام من حملاته لإسقاط حمص، أبرز رموز الثورة السورية وقلاعها، وتحت جنح المبادرة تتكثف الاتصالات والتحركات خلف الكواليس وأمامها، لتحضير المسرح السوري «للنقلة التالية»، والنقلة التالية، ستكون وضع الأزمة السورية على سكة التدويل، إن بحجة حماية المدنيين، أو بذريعة توفير ملاذات آمنة، أو ما بينهما وقبلهما وبعدها، من سيناريوهات وخيارات.

ويوما بعد آخر، تقترب سوريا من «الحافة الخطرة»، تقترب من حافة الهاوية، الخيار العسكري يوّلد خيار «عسكرة الانتفاضة»، سوق السلاح والتهريب رائجة، وخرائط سوريا الجغرافية والطوائفية، تدرس بدقة لتقرير مواضع المواجهة ورسم خطوط التماس، ولا أحسب أن أحداً لديه أجوبة واضحة على أسئلة المرحلة التالية.

وكلما احتدم الصراع في سوريا، واشتد أواره، تورطت أطراف عربية وإقليمية ودولية في الصراع على سوريا، لكن ما فات الرئيس السوري، أن الشعب السوري والأمة العربية والعالم برمته، لم يعودوا يرتعدون ذعراً بمثل هذه «التهديدات» أو «الفزاعات»، لقد سئم العالم سنوات الركود والاستنقاع بحجة الأمن والاستقرار، سئم نظرية «الإصلاح المُهدد للاستقرار»، وبات يطالب «بالاصلاح طريقاً لتعزيز الاستقرار»، ألم تقل السيد كلينتون شيئاً كهذا قبل أيام، الفالق الزلزالي قادم، لكنه سيبتلع النظام القائم في دمشق لا محالة، أما سوريا، الشعب والكيان والدولة، فلديها على الأقل، فرصة للنهوض من تحت الأنقاض، ألا تكفي السوريين أنقاض خمسين عاماً أو يزيد من الركود وحكم العائلة والقبضات البوليسية، رقدت تحت حطامها الثقيل، أجيال ثلاثة منهم؟! (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات