القمح بمنظور الاكتفاء الذاتي

حسبت دائرة الإحصاءات العامة درجة الاكتفاء الذاتي لعدد من المنتجات الزراعية تبيـن منها أن هناك عناصر تحقـق فوائض تفوق الاحتياجات الاستهلاكية المحلية، مثل البندورة والبيض والزيت والزيتون والبطاطا، وعناصر تحقـق عجزاً وفي مقدمتها القمح الذي يقـل الإنتاج المحلي منه عن 5% من حاجة البلـد.
قد يرى البعـض في هذا الوضع نوعاً من الاختلال، ويقترحون أن نقلل من إنتاج البندورة والبيض ونزيد إنتاج القمح والشعير. وهذا موقف خاطـئ، يأخذ به أنصار الاكتفاء الذاتي بمعناه الضيـق.
ما يحدث عملياً أن الأردن، كغيره من البلدان المنفتحة على السوق العالمي، يصـدّر الفوائض الزراعية ويسـتورد النواقص وفي مقدمتها الحبوب. ومع ذلك فإن من المفيـد التوقف قليلاً عند حالـة القمح بالذات التي اسـتحقت عناوين الصحف: إنتاج القمح يكفي حاجـة الأردن 17 يومأً، وكأن هذه الحقيقة تشكل مفاجأة صادمة.
اقتصادياً ليس من الضروري أن ننتـج القمح، فنحن مثلاً لا ننتج الأرز ولا السكر ولا القطن، ولا البترول أو السـيارات أو الحواسيب الإلكترونيـة.
الاكتفاء الذاتي بمعناه الواسـع يعني أن ننتـج كميات كبيرة من المنتجات التي نمتلك ميزة تنافسـية في إنتاجها من حيث الجـودة والكلفـة، وأن نسـتخدم حصيلة الصادرات لإنتاج ما ينقصـنا مما لا جدوى من إنتاجه محليـاً.
لفهم قصة القمح بالذات لا بد من التوقف عند أمرين: أولهما أن الأراضي المتاحـة للزراعة البعلية تقلصت بعد زحف العمران بشكل عشوائي وتحويل الأراضي الزراعية إلى نمر ودنمات تباع بالقطعة. وثانيهما أن الحكومة تأخذ بسياسـة دعم الخبز حيث يباع للمستهلك بما يعادل 38% فقط من الكلفة، فلماذا يحاول المزارع الأردني أن ينتج خبزه طالما أنه يستطيع أن يشتريه جاهزاً بكلفـة تقل عن نصف كلفـة إنتاجـه.
سياسـة دعم القمح مفيدة للمزارع الأميركـي والفرنسي، وتلحق الضرر بالمزارع المحلي، علماً بأن دعـم القمح في أميركا وأوروبا ليس سياسـة سليمة أخذت بها الحكومات باختيارها، فهي مفروضة عليها بقـوة منظمات المزارعين (ولا أقول الفلاحين)، حيث الزراعة هناك صناعة رأسـمالية، وأية حكومـة تحـاول إنقاص الدعم الزراعي تعرض نفسـها للسقوط، فاللوبي الزراعي قوي، والحكومات تستجيب للضغط والابتـزاز.
(الرأي)