حديث العقبة.. غرق العبارة بيلا

المهنة غلبت الاجازة فالصحافة لا تقبل الضرة، ولذا توجهت لحضور مؤتمر صحفي عن غرق الباخرة بيلا التي غرقت جوار العقبة في البحر الاحمر - وسيكون لهذا الغرق قصة قد تتحول مع الزمن وبعد ان تخلي التحقيقات مكانها وتنتهي شركات التأمين من مسؤولياتها الى فيلم.. فالبحر يعري والغرق يثير كل ما في النفس من شجون.. لست بصدد والحديث عن «تايتنك» مخرج الباخرة بيلا ما زال طريا، ودقات قلب الناجين ما زالت تخفق والسنتهم بالدعاء ما زالت تلهج. وما زال المراقبون والصحفيون وجهات مهتمة ومختصة اخرى تسجل للطواقم الاردنية والمسؤولين في الادارة والقوات البحرية والموانىء من الانجاز ما عجزت عنه دول متقدمة في ادارات البحر والانقاذ.
تابعت المؤتمر الصحفي وتوفرت لي المعلومات عن التفاصيل في الحادث.. وقد ابدى مجلس الادارة للجسر العربي المكون من اعضاء لثلاث دول هي الاردن ومصر والعراق اهتماما كبيرا ومسؤولية شفافة حين حضروا جميعا وقد اثار ذلك تعليق احد الصحفيين بالقول ان الجالسين على المنصة يزيدون على عدد الصحفيين كناية عن حضور الجميع واهتمامهم.. ولان الجسر العربي ينتمي كشركة للقطاع العام في الدول الثلاث ويشكل نموذجا للتعاون العربي الناجح فان المتحدثين منه وخاصة المدير العام المهندس حسين الصعوب قدّموا كل المعلومات وبالتفصيل ولم يقفزوا عن نتائج التحقيق او يستعجلوها من اجل تمكين الطواقم الفنية وحتى شركات التأمين الدولية التي حضرت الحادث ميدانيا وبدأت التحقيق، من الوصول الى الحقيقة سجّل الاردن في اول اختبار كبير لامكانياته البحرية واستعداداته في سرعة الانقاذ والعمل المؤسسي كفريق سبقا وتقديرا اشارت اليه جهات دولية ودول خبيرة في البحر بالثناء على طريقة التعامل مع الحادث وايلاء انقاذ الارواح الاولوية لينجو كل ركاب السفينة البالغين (1230) راكبا الا واحد فقد القى بنفسه من الاعلى الى البحر دون الانتظار او الاخذ بالتعليمات ومع ذلك جرى انقاذه ولكنه توفي بعد ذلك.. وعلى صعيد الخسائر المحسوبة لدى شركات التأمين كان الحادث هو الاقل عالميا وبنسبة نصف في الالف، وذلك للمحافظة على الارواح وجعل السفينة تغرق بعد ان لم يكن بالامكان اطفاؤها وذلك على عمق 800م مما يخفف من الاضرار البيئية فيما لو جنحت الى الشاطئ او تحطمت عليه لتفسد البيئة البحرية.
عملية الانقاذ ونجاحها جديرة ان تدرس في المعاهد المتخصصة وهي تؤهل الاردن ليواصل طلبه ان تكون العقبة مركز انقاذ ودراسات بحرية عالمية مميزا بعد امتلاك النموذج الذي وفرته كوادر شجاعة ومدربة وقادرة على التنسيق فيما بينها واستغلال الزمن فقد جرى الانقاذ باسرع من تمكين العدد من حضور حفل والانفضاض منه نتيجة التنظيم والسرعة والمتابعة.
رئيس مجلس ادارة شركة الجسر العربي اسامة الصدر وصف العمل بعزيمة اردنية شجاعة، في حين وصف المدير العام المهندس حسين الصعوب العمل بالتنظيم والمؤسسية وابتعد عن كلمة «الفزعة» لأن الفزعة على ما تحويه من نخوة قد تحدث اضطراباً او تعكس نقصاً في الخبرات وهذا لم يحدث..
ادركت في المؤتمر الصحفي الذي صحح الاخطاء لدى وسائل الاعلام وخاصة المصرية التي اجتهدت في حشر اشاعات عن الحادث مكان المعلومات الحقيقية ان الاعلام ما لبث ان تراجع عن الاشاعات لصالح الحقيقة لسرعة مبادرة الجسر العربي بضخ معلومات كثيرة وتفصيلية وعقد مؤتمر صحفي في فندق الميريديان وحتى توجيه الدعوة لصحفيين مصريين الى العقبة لاطلاعهم حتى «لا يرتع» احد في اخبار شركة مملوكة للقطاع العام لا تستهدف الربح ولا تغطي من اجله على اي حقائق..
يبقى ان السلامة التي وفرتها اطقم الانقاذ بعد نداء الاستغاثة الذي اطلقه الربان الشجاع بعشر دقائق كان له الأثر الكبير في نجاة المئات من الاطفال والنساء الحوامل وحتى الاطفال الذين جرى نشلهم بعد وضعهم في الحقائب.. هذه السلامة جرى انتهاكها حين تسبب سلوك جاهل بحشر مواد مشتعلة داخل الامتعة المحملة في المخازن وهي الفرضية الابرز طالما لم تبرز فرضيات اخرى.. فالحادث بعيد عن التخريب وعن الافتعال المتعمد وينتمي لثقافة غير واعية المخاطر، والى ان تظهر نتائج او حقائق اخرى فان لكل حادث حديث ويبقى الجسر العربي نموذجاً للشراكة العربية الناجحة ومن حق ادارته ان تفخر بما انجزت وبقدرتها في حماية الانجاز والدفاع عنه..
(الرأي)