مبارك في إجازة دون أجر

أغلب الظن أن أحدا لم ينس بعد أن ثورة قامت في مصر يوم 25 يناير،
وأن تلك الثورة كانت تعبيرا عن غضب المصريين الذين انتفضوا دفاعا عن كرامتهم التي أهدرها النظام الذي اقترن في ظله الاستبداد بالفساد والظلم الاجتماعي.
ولم يكتف بإذلال المصريين ونهب ثروة البلد وإنما ذهب إلى أبعد حين أهان مصر ذاتها وحولها إلى بلد تابع للسياسة الأمريكية،
وصار رئيسها «كنزا استراتيجيا» لإسرائيل كما قال أحد وزراء الحكومة العبرية،
وحين صغرت فإنها لم تفقد ريادتها فحسب وإنما جرى وراءها العالم العربي الذي أصبح أصغر قامة وأقل قيمة.
لا أريد أن أفصل في حيثيات هذا المنطوق، خصوصا أن ما أتحدث عنه يمثل واقعا عاشه كثيرون. لكنني أردت أن أذكر بهذه الخلفية، وأن أنبه إلى أن ذلك كله تم في ظل النظام الذي قاده الرئيس حسني مبارك طوال ثلاثين عاما، وأراد تأبيده حين أصر على أن يورثه لابنه.
لا غرابة والأمر كذلك في أن يصر المصريون الغاضبون على إسقاط مبارك ورحيله. ولم يكن غريبا أيضا أن يصر الغاضبون على محاكمته هو ورجاله، ولا يجد المجلس العسكري مفرا من إحالته إلى محكمة الجنايات التي باشرت تلك المهمة ولا تزال.
إذا سأل سائل عما دعاني إلى استعادة ما بات معلوما بالضرورة للكافة في مصر على الأقل، فردي باختصار أنني صرت أشك في أن بعض المسؤولين في البلد نسوا كل ذلك.
وقد أيد ذلك الشك عندي ما نشرته صحيفة التحرير يوم الثلاثاء 8/11 حول مبارك في العيد.
إذ ذكرت أن اثنين من وزراء الحكومة الحالية التي جاءت بعد الثورة اتصلا هاتفيا بمبارك لتهنئته بالمناسبة.
والاثنان هما وزير البيئة ماجد جورج ووزير الكهرباء حسن يونس (نفى الخبر لاحقا لكن الجريدة أكدت صحته)
ومن الذين هنأوه بالعيد وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين ووزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط،
أما ما كان مثيرا للدهشة فإنه تلقى مكالمات هاتفية من أعوانه في سجن طرة (الذي قتل فيه قبل أسبوعين شاب بعدما عوقب لأنه هرب شريحة هاتف محمول!).
هؤلاء الأعوان كانوا الثلاثي فتحي سرور وصفوت الشريف وحبيب العادلي؛
وحسب التقرير المنشور فإن سرور قال له: إن الوضع في مصر سوف يشتعل، وأن كارثة ستحدث بسبب الانتخابات التشريعية وستأكل الأخضر واليابس.
في التقرير أيضا أن ثلاثة من كبار المسؤولين في الدولة قاموا بزيارته بمناسبة العيد وأن قرينة الرئيس السابق استقبلتهم. كما زاره الأمين السابق لرئاسة الجمهورية أشرف بكير وقد أحيطت العملية بسرية لأنهم دخلوا إلى المركز من بابه الخلفي.
هذه المعلومات إذا صحت فإن لها دلالة سياسية تستحق الوقوف عندها؛ وهي أنه إذا كان الشعب قد ثار على مبارك ورجاله وقرر إسقاطهم جميعا ومحاكمتهم على ما اقترفوه بحقهم من جرائم طيلة الثلاثين سنة الماضية فإن الذين تولوا السلطة بعد الثورة لا يعبرون بالضرورة عن الموقف ذاته، أو قل إنهم ليسوا على خصومه مع مبارك ونظامه بذات الدرجة التي عبر عنها الثائرون الذين خرجوا في 25 يناير.
ولأن الأمر كذلك فالحقيقة أن الرئيس السابق ورجاله لا هم في سجن حقيقي، وتقديمهم إلى محكمة الجنايات ليس مأخوذا بالجدية الكافية، وفيه من استرضاء الرأي العام بأكثر مما فيه من المحاسبة والمساءلة عما ارتكب بحق المجتمع من جرائم سياسية واقتصادية.
وهذا التدليل الذي يعاملون به في مقار إقامتهم هو من ضرورات الملاءمة السياسية التي تضع مشاعر الثائرين في الاعتبار..
يؤيد هذا الانطباع أيضا ذلك التسويف في محاكمة الرئيس السابق، الذي تبدى في حكاية رد المحكمة، وهو الطلب الذي كان يمكن حسمه في نصف ساعة، ولكن تأجل القرار في شأنه لمدة شهرين.
إزاء ذلك فلعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن مبارك ورجاله أعطوا بعد الثورة إجازة مفتوحة بغير أجر، وطلب منهم ضمنا أن «يستريحوا» بعيدا عن الأنظار حتى تنجلي الأزمة.
لا تنس ما نشر عن أن العادلي حين ذهب للعلاج في مستشفى الشرطة فإن رجاله أحاطوا به قائلين: (شدة وتزول يا باشا)!.
إن أهداف الثورة لم يتحقق منها شيء ملموس حتى الآن، باستثناء شيء واحد هو تنحية مبارك عن منصبه. وتكاد القرائن المتوفرة تشير إلى أن ذلك الإنجاز بات مشكوكا في صحته..
ترى هل نحتاج إلى خروج مليونية جديدة تطالب بتنحيته فعلا لا قولا فقط؟ (صحيفة الشرق القطريه)