هل تعلق عضوية سوريا ؟

ليس معروفا ما الذي يمكن أن يسفر عنه اجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم في القاهرة لبحث تطورات الأزمة في سوريا،
لكن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل أن الحكومة السورية لم تلتزم بشيء مما وافقت عليه في مبادرة الجامعة،
ذلك أن وتيرة العنف استمرت هناك ولايزال العشرات يسقطون كل يوم برصاصات الجيش والشبيحة.
ويبدو أن النظام السوري أصبح يراهن على احتمالات تفجير المنطقة كلها إذا ما أرغم على السقوط.
وهو ما عبر عنه الرئيس بشار الأسد في حديثه إلى صحيفة تلجراف البريطانية، حين تحدث صراحة عن أن المنطقة ستواجه «زلزالا» إذا ما حدث ذلك.
فأشار إلى احتمالات الحرب الأهلية الداخلية وإمكانية ظهور دويلات يمكن أن تكرر نموذج طالبان في أفغانستان،
وألمح إلى التأثيرات التي يمكن أن تترتب على ذلك السقوط بالنسبة للجيران، بما في ذلك إسرائيل والأردن ولبنان والعراق وتركيا.
وكانت رسالته الضمنية الواضحة هي أنه إذا كان النظام الحالي سيئا فإن بدائله والنتائج المترتبة على سقوطه ستكون أسوأ وأخطر.
كأنه يريد أن يقول للجميع إن من مصلحتهم أن يبقى النظام كما هو حتى إذا كان الشعب السوري هو الذي سيدفع ثمن استقرار المنطقة.
بالتالي فإنه خيرهم بين أمرين إما التضحية بالشعب السوري وإما الزلزال الذي حذر منه.
لقد رفع البعض في الداخل اللافتات التي دعت إلى التدخل الدولي لحماية المدنين. وتحدثت قيادة المعارضة في الخارج عن استعدادها للقبول بذلك التدخل.
ولكن بعض المعارضين تعامل مع هذا الموقف بحذر، في حين انتقده آخرون وهاجموه.
والمشكلة أن الجميع إما معذورون أو محقون.
فالمواطنون الذين حوصرت دورهم وقطع عنهم التيار الكهربائي ومنعت عنهم المؤن، وتعرض ذووهم للقتل والتعذيب أو الاعتقال،
هؤلاء يعذرون إذا فاض بهم الكيل ولم يجدوا مفرا من الاستغاثة بالتدخل الدولي، خصوصا أن النظام العربي عجز عن أن يحل لهم مشكلتهم، حيث أصبح مجلس الأمن الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة إلى حد كبير وحده الذي يملك القوة التي يستطيع بواسطتها وضع حد لمثل ذلك الإسراف في قمع الشعوب واستمرار ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.
المعارضون الذين أيدوا التدخل الدولي معذورون أيضا. لأنه لا بديل آخر أمامهم، في الوقت الذي تفرض عليهم مسئولياتهم أن يجدوا حلا لمحنة إخوانهم في الداخل.
كذلك فإن الحذرين والمعارضين للتدخل معذورون، لأن ذلك التدخل يمكن أن يصبح احتلالا مقنعا، خصوصا أن ذاكرتنا لم تنس بعد أن القوى الاستعمارية حين بسطت هيمنتها على العالم العربي فإنها تذرعت بحماية الأقليات حينا، أو «بحماية» تلك الأقطار في حين آخر.
الجامعة العربية حين تدخلت فإنها أحرجت النظام السوري الذي وضعها بدوره في موقف حرج.
هي أحرجت النظام السوري حين قدمت إليه طلبات محددة واقترحت عليه أن ينفذها خلال مهلة محددة، يفترض أن تمهد لحوار مع المعارضة للبحث عن مخرج من الأزمة.
أما إحراج النظام للجامعة فقد بدأ حين وافق على المبادرة ولم ينفذ منها شيئا، بالتالي فإنه أفشل المبادرة على الأرض، وتعين عليها بعد ذلك أن تحدد موقفا.
فهي إذا سكتت فستكون قد ابتلعت الإهانة وآثرت أن تدير خدها الأيسر بعدما تلقت الصفعة على خدها الأيمن.
وإذا لم تسكت فهي إما أن تنتقد الموقف السوري وتوفد اللجنة الوزارية التي شكلت للتعامل مع الأزمة إلى دمشق في زيارة أخرى تحمل رسالة العتاب،
وفي الوقت ذاته تمدد أجل المهلة المعطاة للنظام.
وإما أن تخطو خطوة أبعد فتصدر قرارا بتعليق عضوية سوريا في الجامعة كما فعلت مع نظام القذافي.
وقد تتقدم أكثر فتدعو مجلس الأمن لفرض منطقة حظر طيران فوقها. وهو الخيار الذي مهد لتدخل حلف الناتو في الحالة الليبية، وفتح الباب للتدخل العسكري الدولي.
استبعد هذا الخيار الأخير في الوقت الراهن، بحيث يصبح تعليق عضوية سوريا هو الحل الوسط بين توجيه العتاب وفرض منطقة حظر الطيران،
علما بأن ملف اليمن مدرج وموضوع على مكتب أمين الجامعة العربية. ولأنه يكاد يكون متطابقا مع الملف السوري فإن تعليق عضوية سوريا سيفتح الباب لتعليق عضوية اليمن أيضا.
القدر الثابت في المشهد الذي نطالعه أن النظام السوري مصر على البقاء، وأنه مستعد لأن يدفع أي ثمن مقابل استمراره، حتى إذا أدى ذلك حتى الآن إلى قتل 3500 مواطن سوري غير 1100 من أفراد الجيش والشرطة تحدثت عنهم التقارير الرسمية السورية.
بعدما دخلت تركيا على الخط، فإنها لوحت بأمرين
أولهما إقامة منطقة عازلة للمهجرين السوريين بين البلدين،
وثانيهما تمكين عناصر الجيش السوري التي انشقت من القيام بعملياتها عبر الحدود التركية
«في الغالب ردا على اتهام سوريا بتمكين المتمردين الأكراد من الهجوم على مراكز الجيش التركي».
إنني أتفهم مخاطر تدويل الأزمة، ولكن اللوم الحقيقي ينبغي أن يوجه إلى النظام السوري الذي أصر على دفع الأمور في ذلك الاتجاه.
ذلك أننا لا نستطيع أن نلوم رد الفعل في حين نسكت أو نغض الطرف عن الفعل. ( السبيل )