النوايا الطيبة" لا تكفي

رسمية أوليّة، فإنّ موعد الانتخابات النيابية المفترض هو نهاية العام المقبل، لأسباب لوجستية وفنية ترتبط بقوائم الناخبين والإعداد للانتخابات. إلى حين ذلك فإنّ التحدي هو أن تتمكن الحكومة من إقناع القوى السياسية والشارع بجديتها في الإصلاح والسير معاً للوصول إلى ذلك الهدف.
المهمة الرئيسة للحكومة الجديدة تكمن في الوصول بالبلاد إلى عتبة الانتخابات النيابية بإجراءات واضحة موثوقة محددة، لأنّ إجراء انتخابات نيابية نزيهة، بقانون عادل، ممثّل، أكثر ديمقراطية، هي البوابة الحقيقية لتجديد قواعد اللعبة السياسية على أسس شرعية متينة.
في الأيام المقبلة سيتم الإعلان عن تصور الحكومة عن موعد محدد للانتخابات البلدية، من المفترض ألا يتجاوز الشهر السادس من العام المقبل. بالطبع ما تزال هنالك نقاط اختلاف لدى المعارضة حول القانون تتعلق بإجراءات التسجيل وبقاء التعيين في أمانة عمان، وبعض النقاط الأخرى، وهي قضايا على الحكومة أن تجري حواراً حولها، قبيل إجراء التعديلات المطلوبة على القانون.
تلك الخطوات مرهونةٌ بتحدٍّ آخر هو قانون الهيئة المستقلة التي تدير الانتخابات، فهنالك اختلافات ونقاشات واسعة حولها. لكن ما يدفع إلى قليل من الراحة تأكيد مصادر موثوقة أنّ هنالك رغبة عليا شديدة بأن يتولّى إدارة هذه الهيئة فريق يحظى بالاحترام والمصداقية، بقيادة شخصية حازمة، لا يشكّك أحد بقوتها ونزاهتها، وحرصها على إجراء انتخابات صارمة.
بالرغم من التغييرات الأخيرة وتصريحات رئيس الوزراء، فإنّ هنالك من لا يزال يشكّك في مدى وجود "إرادة" سياسية حقيقية للإصلاح.
لا تبتعد عن الرأي السابق وجهة نظر أخرى ترى أنّ الخصاونة يملك نوايا إصلاحية ويريد ذلك، لكنه لن يتمكن من القيام بهذه المهمة، إمّا بسبب ضعف الفريق الوزاري المحيط به، أو بسبب "قوى الشد العكسي"، من مراكز القرار التي لن تقبل بالتنازل مجاناً، بدون معارك شرسة دفاعا عن مكتسباتها وصلاحياتها وأدوارها التي حصّلتها خلال السنوات الماضية، أو من "حيتان" السياسة، الذين لا يُبدون إعجاباً بمواقف الرجل وآرائه السياسية خلال الفترة القصيرة الماضية.
على الطرف الآخر؛ هنالك من يذهب بعيداً في تحميل تصريحات الرجل وآرائه السياسية فوق ما تحتمل، بإشاعة وجود "صفقة" بينه وبين الإسلاميين، برعاية أميركية، ما يفسّر انفتاحه على حركة حماس، وحماسه نحو "الإخوان". "المفارقة" أنّ "جماعة الإخوان" ما تزال مصرة على شرط إعادة النظر في "التعديلات الدستورية"، بما يحقق لها بعض مطالبها المعلنة.
في المحصلة، الأمور ليست سهلة على الإطلاق، وما على الرئيس إدراكه أنّه بالرغم من التصريحات الإيجابية والروح الدافئة نحو المعارضة والحوار والقوى السياسية، فإنّه أمام مشهد سياسي منقسم ومشتت.
طوق النجاة"، بالنسبة للرئيس، أن يمُسك بأولوياته الناصعة، وأن يحدّد أهدافه بالوصول إلى توافقات وطنية وتفاهمات واضحة حول التشريعات التي ترسّم الانتخابات البلدية والنيابية، التي من المفترض أن تُفرز القوى الحقيقية الفاعلة في الشارع، لتصل تحت قبة البرلمان بدلاً من النقاش في الشارع، والوقوع في فخّ الإدعاءات والتكهنات حول الأحجام الحقيقية للقوى القديمة والجديدة. فصندوق الاقتراع هو الحكم، والذي يأتي به بصورة ديمقراطية صحيحة هو من يستحق الجلوس على الطاولة للحديث باسم الشارع والمواطنين، لا كل من يملك صوتاً مرتفعاً(الغد)