بعد إخفاق المحاولة الأولى!

تم نشره الأحد 13 تشرين الثّاني / نوفمبر 2011 01:07 صباحاً
بعد إخفاق المحاولة الأولى!
عريب الرنتاوي

أخفق الفلسطينيون في حشد التأييد اللازم في مجلس الأمن، للاعتراف بهم دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ولن تجد الولايات المتحدة، نفسها مضطرة لإشهار "سيف الفيتو المحرج" في وجه المحاولة الفلسطينية، مع أنها كانت ستستخدمه لا محالة، لو أن الجهود الفلسطينية نجحت في كسر "حاجز" التسعة أصوات المطلوبة لتمرير القرار في أرفع منتظم دولي.

ليست هزيمة كما يصفها البعض، وليست مفاجئة كما يحلو للبعض الآخر أن يصورها، فمجلس الأمن لم يكن في الغالب الأعم، ساحة مواتية للفلسطينيين، ولطالما كان "الفيتو" حائلا دون حصولهم على الحد الأدنى من طموحاتهم الوطنية.

المعركة لم تنته بعد، والمحاولة الفلسطينية يجب أن تتواصل، وبصلابة مماثلة، وأن تتبعها محاولات، وثمة دول سبقتنا لم تنل عضويتها الكاملة من أول محاولة، والأصل في المسألة، أنها تُعاد الأمور إلى نصابها، إلى "الشرعية الدولية" التي أنشأت بقرارها 181 دولة فلسطينية مستقلة، لم تر النور، الأصل في المسألة أن "الملف الفلسطيني" لا ينبغي أن يبقى حبيس أدراج المفاوضات العبثية، وأسير "الوساطة الأمريكية" غير النزيهة في عملية السلام.

لكن الفلسطينيين، وهم يقفون اليوم، أمام نتائج هذا الاستحقاق وتداعياته، عليهم التفكير جدياً، في ملامح استراتيجية المرحلة القادمة، وهي الاستراتيجية التي يتعين أن تخرج من "شرنقة المفاوضات العبثية"، وأن تتحرر من أسر للغة الأرقام والنسب المئوية في نيويورك، فالمعركة هناك هي رجع صدى للمعركة هنا، على الأرض، في فلسطين، ضد الاحتلال والاستيطان.

المراجعة الفلسطينية يجب أن تبدأ فوراً ومن دون إبطاء، بتفعيل مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية، واستعادة وحدة الشعب والكيان والحركة الوطنية والمنظمة والسلطة، لقد تلكأ الفلسطينيون طويلاً في إنجاز هذا الاستحقاق، ومرت خمس سنوات عجاف منذ أن انشطر الوطن المحتل، إلى وطنين، واحد يرزح تحت نير احتلال جائر، وآخر يرسف في قيود حصار بربري لا انساني.

والمراجعة، تمر بإعادة توحيد الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، تحت رايات منظمة التحرير الواحدة، والمُوَحّدة للشعب والفصائل والقوى والشخصيات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الشعبية، وإعادة هيكلتها وتفعيلها وتنشيطها، إعادة نسج ما انقطع من صلاتها وروابطها مع شعبها في الداخل والخارج.

والمراجعة، تتواصل بتحديد الموقف من جديد حيال السلطة الفلسطينية، وإعادة تعريف دورها ووظائفها، مع إبقاء الباب مفتوحاً لخيار حلّها إن اقتضت المصلحة ذلك، وتم التوافق عليه، فالسلطة لم تعد مشروع دولة، ولا يجوز لها أن تستمر في أداء دورها "كمنظقة عازلة" بين الشعب والاحتلال، أو كمقاول من الباطن لوظائفه، وظيفة السلطة أن تجعل حياة الفلسطينية سهلة، وأن تشق الطريق أمامهم للوصول إلى الدولة، أما أن تكون وظيفتها خفض كلفة الاحتلال، وجعلها زهيدة للغاية، فهذه أفضل خدمة يقدمها الفلسطينييون للاحتلال، وليس لهم ولقضيتهم الوطنية.

والمراجعة تتعزز، وتكتسب مضامين عميقة، إن هي توصلت إلى بناء توافق وطني حول أشكال المقاومة في المرحلة القادمة، بعد أن ثبت أن كلفة "صمت الضفة" باهظة للغاية، وكذلك كلفة المقاومة بصيغتها القائمة في القطاع ومنه، فهل ثمة فرصة لبناء توافق وطني حول مقاومة شعبية، تستلهم تجربة "ربيع العرب"، وتُحضر الفلسطينيين بمئات الأولوف إلى الحواجز والمستوطنات والساحات والميادين, ودائماً بهدف رفع فاتورة الاحتلال، وجعل بقائه مكلفاً أكثر من رحيله.

المراجعة المطلوبة، ليست نيويورك إلا واحدة من ساحاتها وميادينها، وهي بالتأكيد ليست ساحتها الأهم، ساحات المراجعة الأهم يجب أن تكون في فلسطين والشتات، وبين الفلسطينيين أنفسهم، ومن مختلف الأطياف والمشارب، عندها وعندها فقط، يمكن للفلسطينيين أن يضعوا أقدامهم على سكة الحرية والعودة والاستقلال.

مثل هذه المراجعة، لا تكون بلقاءات ثنائية، تحت الأضواء الكثيفة للكاميرات والعدسات، ولا يمكن أن تختصرها حوارات تقاسم السلطة بين فتح وحماس، مثل هذه المراجعة بحاجة لمؤتمرات وطنية، تشرف على تنظيمها القيادة الفلسطينية الموحدة، في الوطن والشتات، وبحضور الجميع، توطئة لبناء إجماع وطني حول مختلف هذه العناوين، قبل أن تتم إحالتها إلى المؤسسات لتحويلها إلى برامج عمل وسياسات وخطط تحرك واستراتيجيات كفاح.

نعم، الفلسطينيون أمام مأزق خيارات الآن، بيد أنه في جوانب كثيرة منه، مأزق صنعوه بأيديهم، أو بالأحرى بأيدي قيادتهم ونخبهم المتنفذة، وعليهم -من باب أضعف الإيمان- أن يقوموا بما يتوجب عليهم القيام به، وهو كثير، قبل أن يوجهوا أصابع الاتهام واللائمة على غيرهم، عرباً كانوا أم أعاجم، فهل يفعلون؟.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات