الخطباء والأئمة والتهديد بفضح أسماء الفاسدين!

قررت الحكومة تأسيس نقابة لخطباء وائمة المساجد، وهذا تجاوب عظيم، بعد حراك الخطباء والائمة، ومسيراتهم للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والحياتية.
مرت قصة بخصوص الخطباء والائمة، بسرعة، ولم يتوقف عندها احد، وتتعلق بتهديد الخطباء والائمة في بداية مسيراتهم، بأنهم سيفضحون اسماء الفاسدين عبر المنابر في خطب الجمعة، اذا لم تتم الاستجابة لطلباتهم!!.
فكرت كثيراً في مغزى التهديد، لأنه يقول من جهة اخرى ان الخطباء والائمة يسكتون عن اسماء الفاسدين، ولا يفضحونهم، في الأوقات العادية، ولأنهم في وضع صعب هددوا بفضح اسماء الفاسدين، من باب الضغط على الجهات الرسمية!.
سألت نفسي عن شهادة الحق التي يدلي بها الخطيب، كل جمعة، وهو يكشف في لحظة ما، ان الحق قابل للمساومة، فيخفي اسماء الفاسدين، اذا استجابت الحكومة لطلبات الخطباء والائمة، ويقرر فضحهم اذا لم تستجب!.
امر مؤسف جداً ان يصل بعض الخطباء والأئمة الى هذا الدرك، والى هذا المستوى، من التلاعب بمنبر رسول الله، وجعله عرضة لمصالحهم ومكتسباتهم وعلاواتهم، فيسكتون ما داموا شبعانين، ويهددون بفضح اسماء الفاسدين اذا لم يحصلوا على ما يريدون.
الأصل ألا يسكت الخطيب على هكذا قصص، والأصل ان يدلي بشهادة الحق امام الله، وان لا يزّور الوعي العام، وألا يداهن ولاينافق، ولا يكذب ولا يستر على الفاسدين، ولايجعل دينه عرضة للمساومات والصفقات والعلاوات.
كلنا يعرف ان اوضاع الخطباء والأئمة سيئة جداً، وهناك مئات المساجد بلا ائمة ولاخطباء، ومساجد يديرها حملة الثانوية العامة، واقل من ذلك، وكلنا يعرف ان المسجد آخر اهتمام الحكومات.
فوق ذلك خطب موحدة، وتحنيط للدين، فلا تسمع إلا ما ينفر قلبك من عذاب القبور والحرق والتعذيب، وفي حالات يذهبون الى قصص عمرها الف عام،والى احاديث ضعيفة، فيخطبون علينا بصوت مرتفع، لأن لا احد قادرا على مناقشتهم.
من حق الخطباء والائمة تأسيس نقابة لهم، ومن حقهم تحسين ظروفهم الحياتية، لأن الخطيب والإمام، ليس زاهداً، يعيش في كهف او جبل، وعليهم التزامات لبيوتهم، ينبغي مساعدتهم للحصول عليها.
بيد ان ملف الخطباء والأئمة بحاجة الى مراجعة بكل تفاصيله، ومنذ سنين طويلة والناس تشكو من الخطباء والأئمة، بسبب قضايا كثيرة، وهذا يدفعنا لمطالبة الجهات المختصة، بتثقيفهم ومتابعتهم، وجعل رسالة المسجد فاعلة ومؤثرة.
لا أحد يعرف من اين جاءت صورة الإمام والخطيب الذي ينبغي ان يلبس ثوباً رخيصاً، ويعيش وسط حالة مأساوية من الفقر، وهذا القالب الذي تم وضع الإمام والخطيب فيه، يراد منه تنفير الناس من الدين واهل الدين.
على الرغم من سقطة الكلام، في تهديد الخطباء والأئمة بفضح الفاسدين، اذا لم تتم تلبية طلباتهم، إلا أننا نغفرها لهم، فلربما لم يجدوا وسيلة للضغط غير التهديد بالمنبر وما يقال فوقه وعبره.
هذا على الرغم من مضمون التهديد الذي يؤشر على ان ما يقولونه هذه الأيام،ليس إلا ربع الحقيقة ان لم يكن أقل من ذلك، فيما يتم اخفاء بقية الحقيقة لغايات البقاء في الوظيفة.
من حقهم ان يعيشوا حياة كريمة ومن حقنا عليهم ان يؤدوا امانتهم بلا لف ولا دوران.
(الدستور)