كيف نقرأ تصريحات الملك عبدالله الثاني؟

ان كنّا منصفين فان علينا ان نقرأ تصريحات الملك عبدالله الثاني هذا الاسبوع وفي اكثر من مصدر في سياقها الموضوعي وليس في سلها من السياق وتوظيف قراءتها بما لا تحمله. فهذه لحظات صعبة لا بد من تقدير صعوبتها، تقدير الجراح لموقع سكينه حين يستهدف معالجة المرض..
تصريحات الملك بخصوص سوريا يتوج جهدا بذله من قبل في تقديم النصيحة لبشار الاسد بعد ان دافع الملك عن بشار منذ وصوله الى السلطة في اعقاب رحيل والده.. وكان يعلق عليه امالا كبيرة وقد قدمه للغرب في اكثر من لقاء وعرف بدوره وتوسم فيه التغيير بحكمة كونه شابا متعلما ومطلعاً على الغرب وثقافته، وميالا الى الاصلاح كما قال الملك من خلال خبرته في معرفته..
واذا كان المثل الغربي يقول « ضع قدمك في حذائه وامش بضع خطوات « لادراك مدى الراحة او الضيق من ذلك فقد كان الملك واضحا حين قال « لو كنت مكانه لتنحيت « اي ان الملك ادرك خطورة الحالة التي وصلت اليها سوريا الشعب والوطن والحالة التي وصل اليها النظام الذي لم يعد قادرا بعد ان احتكم الى الدم الخروج من ازمته التي اصبحت تتفاقم وتكبر مثل كرة الثلج التي اخذت تجرف من طريقها كل مكونات الحوار والتفاهم... الملك وصف المرض ولم يسببه وحذر من تفاقمه ولم يشمت به... وهو ناصح بشجاعة لم يمارسها غيره.. فالنظام السوري المعمول به حالياً ليس لديه القدرة على قراءة الواقع وكيفية التعامل معه ومع اختلاف رؤية اصحاب النظام والفاعلين فيه الا ان الرئيس بشار الاسد كرمز للنظام وقائد له يبدو انه غير فاعل بما يكفي لوقف ما يجري في سوريا اذا اخذنا بالتشخيص الملكي. وسوريا ليست محكومة من شخص وانما من نظام يتوافق معظم اعضائه على الصدام مع الشارع وهذا ما جعل الملك يسمي شقيق الرئيس وزوج شقيقته وتعهدهما بأن طريقهما في التعامل مع الاحتجاجات والمعارضة هو ما ينقذ النظام ويضع حدا لما يسمونه المؤامرة...
اذن المسألة في اضطراب سوريا تتعلق في النظام برمته وليس في شخص واحد يمكن ان يخلي موقعه كما حالة زين العابدين في تونس او حسني مبارك في مصر وانما في نظام لا يمتلك المرونة على التغيير او اعادة انتاج نفسه ليكون قادرا على استيعاب ما يجري وفي هذا السياق يمكن تخيل الرئيس بشار الاسد مكرها على السير باتجاه واحد تنعدم البدائل العملية فيه وتقتصر على التصريحات والوعود التي لا تنفذ او يكون تنفيذها بطيئا او بجرعات غير كافية لا تصلح لشفاء الحالة المتصاعدة التي كلما تأخر علاجها تفاقمت وارتفعت كلفتها وفاتورة استحقاقاتها وهذه من سمات الربيع العربي الذي سيهب على كل المنطقة دون استثناء ولا ينجو منه الا من انحنى ليقرأ المطلوب ويستجيب للمطالب ويتكيف معها دون تصادم او انكار...
المطلوب في سوريا اذن وبسرعة ان يغيّر النظام نفسه من الداخل وهذا في اعتقادي اصبح صعبا ان لم اقل مستحيلا.. ففاقد الشيء لا يعطيه والنظام لا يدرك ان الدنيا تغيرت وانه ما زال يريد التعامل معها كأهل الكهف وبنفس العملة القديمة وهو لا يدرك أن هذا الامر لا يتم وان استمراره سيدمر سوريا...
ما هي الوصفة اذن ؟ من يملكها.. لا اعتقد ان احدا لديه رؤية حاسمة لذلك ولذا فان الملك عبدالله الثاني في نصيحته لبشار الاسد وللنظام في سوريا بيّن ان لا احد يستطيع القراءة لما يجري لا في المدى القصير ولا حتى الطويل بعد ست سنوات وهذا التشخيص مفزع ومرعب ويستدعي سيناريوات رهيبة.. كيف الخروج من المازق ؟ كيف يمكن حماية سوريا والحرص عليها ومن هي الاطراف المعنية بذلك طالما بقي الامر كله من اطراف عديدة داخلية وخارجية تتحدث عن خلع النظام وليس اصلاحه بسبب فوات الوقت وعن الخلاص من النظام الذي ما زال يخطف سوريا ويحتجزها اذا ما فلتت الامور وعجز الحل العربي المفتقد لامكانيات واليات تنفيذ عملية وكافية والذي يرى النظام السوري فيه مؤامرة عليه واذا ما افضى فشل الحل العربي او نتائجه الى تدخل اجنبي فهل سيصيب رصاص التدخل الذي يبدو انه اصبح جاهزا رغم انكار الاطراف المدبرة له... هل سيصيب النظام اولا ام سوريا اولا؟... وهل سينهار النظام أو ستنهار سوريا؟ وهل عملية اجهاض سوريا من النظام ستودي بالمولود والام... تلك هي عملية خاسرة... ندفن فيها بلداً عربيا اخر غير العراق وندخل مرة اخرى عاجزين الا من الدعاء...
(الرأي)