مصر.. لا تجمع الأمة على ضلال !

ادرك المصريون الذين ثاروا في يناير الماضي على حكم الرئيس حسني مبارك وقدموا تضحيات كبيرة في مواجهة سلطاته القمعية واجهزته الامنية.. ان ثورتهم تسرق حين تولى المجلس العسكري ادارة شؤون البلاد بعد خلع الرئيس والبدء في محاكمته , وخلع بعض رموز نظامه..
كان المصريون يدركون ان الذي تغير هو غطاء الوعاء وليس الوعاء او مضمونه وان النظام ما زال يحكم وان بشكل اخر وان المماطلة وكسب الوقت والتأخير في الدخول لبناء نظام جديد كان يعكس استمرار النظام السابق وعدم تصفيته والركون الى ان اصلاحات اولية او شكلية يمكن ان تفي بالغرض..
بطء التحولات والاستجابة اليها من جانب العسكر الذين حكموا مصر منذ عام 1952 وما زالوا اعاد الكرة الى الملعب واعاد المصريين الى المرجع الأول ليبدأوا مجددا ثورتهم التي يطالبون الان فيها باسقاط المشير طنطاوي رمز حكم العسكر والاسراع بانتقال السلطة الى طرف مدني..
خطاب الرئيس طنطاوي وان بدا مستجيبا شكليا لأصوات ميدان التحرير والقوى الممثلة فيه بما في ذلك الاخوان المسلمون الا انه ما زال يحيل الى مسائل غير حاسمة او واضحة مثل قضية الاستفتاء وبيئة سياسية لا تحسم ولا تصل بالمطالب الثورية الى غايتها..
وكما يقولون في النحو عن ( حتى ) فانه ما زال في الامر حتى التي «حتحتت لسان النحاة».. وما زالت هناك نوايا غير صافية او برئية حين جرى دس عناصر مدسوسة من جانب رموز النظام السابق الذين لم تطلهم العدالة او طالتهم شكليا لكنهم ما زالوا فاعلين لتقوم هذه العناصر بتشويه الاحتجاجات باستعمال الزجاجات الحارقة او الرصاص واستهداف وزارة الداخلية... وعادت الماكنة الاعلامية الموالية وان بشكل خجول للحكم السابق الى ابراز هذه الصورة السلبية في اطار صورة الثورة دون ربط كاف بان ذلك كان ردة فعل على ممارسات الداخلية القاسية التي اردت بالرصاص الحي والمطاطي والغاز اكثر من (30) قتيلا والاف الجرحى والمصابين..
الرهان على فكرة المندسين والمخربين لا يصمد فهناك مطالب حقيقية لم يبت فيها ولم يستعجل المجلس العسكري في الاستجابة لها ولذلك تفجرت الاوضاع في ميدان التحرير في القاهرة وميادين وشوارع اخرى على طول المحافظات المصرية وعرضها وعادت قوى الثورة وكثير من القوى السياسية التقليدية والشخصيات العامة للمطالبة بالحسم والاسراع بانجاز خطوات عملية ابرزها تصفية حكم العسكر حيث قامت فكرة نقل السلطة المؤقتة الى القضاء وهناك افكار اخرى..
الانتخابات المصرية على الابواب وبعد ايام وانتخاب رئيس الجمهورية سيكون قبل منتصف عام 2012 ولكن قوى الاحتجاج لا ترى ان هذه المسارات وما تستند اليه من تشريعات كافية لتجنيب البلاد المزيد من الاحتقانات ورأت ان الضمانة هي في النزول الى الشارع والضغط من هناك للاستجابة للمطالب الشعبية التي اخدت تتسع..
مصر في مخاض شديد وتواجه استحقاقات كبيرة سياسية واقتصادية واجتماعية واعادة بناء وتكيف داخلي وخارجي..
والخروج من ذلك يحتاج الى عبقرية مصر والى عمل سريع ودؤوب وليس ركن الى ادارة العسكرالذين أضاعوا الكثير من الوقت ومصر تحتاج اليوم أكثر من أي يوم مضى الى مساعدة أمتها شعوباً ودولاً اذ لا يجوز التخلي عن مصر والمصريين في هذه الظروف الصعبة التي تواجهها مصر حيث تتربص بها التحديات الكبيرة والمعادية وتنصب اسرائيل شباكها لعمل وقائي منعاً لما تعتقده من تداعيات قد يحملها ربيع مصر القائم..
لا يجوز أن يدعم النظام العربي القادر على الدعم مصر التي كان يحكمها نظام مبارك المخلوع ويجري التخلي عن مصر التي تعيش حالة اعادة بناء من خلال الثورة..فالوقوف الان الى جانب مصر مهم وسيذكره المصريون الذين سيخرجون ببلدهم الى المستقبل وهم يدركون انه سيكون أكثر قوة ومنعة وتمثيلاً لشرائح الشعب المصري الواسعة..
لا خوف على مصر فهي قادرة لعمق تاريخها في اعادة انتاج نفسها وعلى الذين يعطلون دوران دولاب التغيير فيها ان يتوقفوا عن وضع العصي فهي تعرفهم وقد خرجت مجدداً للقائهم في ميدان التحرير حين اكتشفت ان ثورتها تسرق وأن الذين سرقوا مليارات اموالها حاولوا أيضاً سرقة دماء شهداء ثوارها ومعاناتهم..
مصر ستقدم النموذج العربي وتتقدمه ولا خوف عليها فهي المحروسة دائماً..
(الرأي)