إذ تتخبط الدولة في سياساتها

تم نشره الخميس 01st كانون الأوّل / ديسمبر 2011 02:12 صباحاً
إذ تتخبط الدولة في سياساتها
ماهر ابو طير

قلنا سابقاً، ان لا مطبخ سياسياً في البلد، وان لا عقل جمعياً للدولة، وان لا تنسيق بين المؤسسات، وما زلنا نلمس ما هو اسوأ، يوماً بعد يوم.

كل مسؤولي الدولة يشتكون من بعضهم البعض، ولا احد ُينسق مع الاخر، والكل ينتظر من الاخر حل المشاكل، والكل يشكو من اصابع الاخر المدسوسة في انفه، ولا احد يفهم على الاخر، هذه الايام، مهما أخفى كثيرون حالة "المكاسرة الناعمة" المسيطرة.

فوق ذلك، تتخبط الدولة في سياساتها الداخلية والخارجية، ولدينا امثلة كثيرة، تدل على هذا التخبط والتناقض، والصراع المستتر والعلني الذي بات سمة اساسية، مع استخفاف وغياب للمبادرة، واستفحال "العنة السياسية" تجاوز العجز بأسوأ حالاته.

تارة يتم الانفتاح على الاخوان المسلمين، وتارة يتم اغلاق الابواب في وجههم، تارة تتم دعوتهم للتوزير، وتارة يتم التخلص منهم وعدم تلبية اي طلب لهم، تارة يتم تسخين الكلام عن قدوم خالد مشعل، وتارة يتم تبريده، بحيث تتراجع فرصة الزيارة.

احيانا تتم مغازلة الاسلاميين لمجرد هدف تافه، اي مقاهرة شباب المحافظات، واثارة خوفهم وغيرتهم، وتارة تتم مغازلة شباب المحافظات، لمجرد تفتيت معسكرات اخرى في ذات المحافظات.

مرات يتم قصف اسرائيل بالكلام والتهديد بالجيش والويل والثبور، وتارة نكتشف اننا نمون عليهم في قصة جسر باب المغاربة في القدس، فيؤجلون هدمه فقط، وتارة نقول لاسرائيل انها ستنتهي عما قريب، وتارة نجالس ونستقبل شمعون بيريز.

في قصة اخرى يتم اعتبار المتظاهرين غوغائيين ولديهم اجندات، ويتأثرون بالغاضبين من النخب، او بتحريضهم او بتمويلهم، وتارة تتم مغازلة المتظاهرين مع ابداء التقدير تجاههم، بكونهم يعبرون عن الرأي!!.

احيانا يصير العنوان هيبة الدولة، فيقوم الدرك بتكسير المواطنين لاي سبب، وتارة تتحول الهيبة الى مفهوم لا قيمة له، وتصبح مهمة الدولة اخذ العطوات وتبويس اللحى، واحيانا يتم توقيف العشرات، ثم فجأة يتم اطلاق سراحهم.

مرات يتم التسامح مع شعارات تقدح كل المقامات والاسماء والرموز، ومرات لا يسامح المحافظ بشأن رشقه ببيضة، وفي حالات يقولون: اتركوهم فهم غاضبون، ومرات يقولون لماذا لا تنفذ الدولة القانون على الجميع؟!.

تأتيك حكومة فتتحدث عن عدم قدرتها على رفع الاسعار لان "الامن الاجتماعي" مهم، ثم تأتيك حكومة فتقرر رفع الاسعار وتقفز عن الامن الاجتماعي، وقد تأتيك حكومة ثالثة تقرر اللعب على الحبلين فتؤجل شيئاً وتمرر شيئاً!!.

الدولة مع ابنائها ايضاً على ذات الطريقة، اذ تم تكسير وحرق كل الاسماء والرموز، والكل فاسد ولص، واحياناً يخرج مسؤولون عاملون ليسألوا: اين رموزنا ليلعبوا دوراً في تهدئة الداخل، ولا يتذكرون انهم هم الذين حرقوهم وتركوهم رماداً.

في مرات تصير قصة الرقم الوطني هي القصة، وتصدر التعليمات بوقف سحب الرقم الوطني، فيرتاح الناس، ومرات يقررون خفض دور المتابعة والتفتيش، ومرات يتوسعون في دورها فيؤسسون فرعاً في عين الباشا!!.

في حالات نصبح ليبراليين، وفي حالات نقترب من الاسلاميين، وفي حالات نصبح محافظين، وفي حالات تغمرنا المشاعر القومية، واحيانا نصبح وطنيين متشددين. مؤسف جداً الذي يجري، تارة يعاندون الشارع الذي يريد اسقاط الحكومة ويقولون لن ننصاع الى الفوضى، وتارة يقيلون الحكومة ويقولون اقلناها استجابة لمشاعر الجمهور والشارع!!.

ينكرون وجود معتقلين سياسيين لدينا، طوال سنوات، ثم فجأة يخرجون معترفين ويقولون سنبدأ في اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي حالات يقولون لا تسامح مع الارهاب، ثم يتفاخرون في وقت لاحق بالافراج والعفو عن شباب كرام تم اتهامهم بالارهاب!!.

والقصة امتدت الى الناس، غضب وشغب، وعودة الى الحاضنات الاجتماعية التقليدية للحصول على الحماية، وكسر لمبة في محافظة قد يؤدي الى حرق محافظة، وكلمة بين شخصين قد تؤدي الى استخدام الرشاشات والمسدسات.

كل هذا نتاج سياسات التخبط والاضعاف وتفكيك الدولة وتناقض هويتها، وعدم ثبات هويتها، وعدم وجود رؤية موحدة، ولا برنامج حياة، ولا افق ولا مستقبل، سوى المسكنات التي يتم حقن الوريد العام بها يوماً بعد يوم حتى ادمنها الدم، ولم تعد مجدية.

ما نراه كل يوم خطير جداً، وغيبوبة معظم اصحاب القرار، ستأخذنا الى وفاة سريرية، ما لم تنته حالة التهاون في قيمتنا وقيمة البلد وحياته وحياة اهله، فهذا الاستخفاف الكارثي بكل شيء، سيقودنا الى الهاوية.

وكأن البلد يتم تركه عمداً لمصير مرسوم، وما نراه ليس الا توطئة للخراب الكبير.
 
(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات