الإمارات.. كل في مجال ولا مجال للارتجال !

كل مسؤول يعرف عمله، وكل يعمل في مجاله، فلا خلط ولا ارتجال..
من يعمل في الاقتصاد يجيب على اسئلة الاقتصاد، ومن يعمل في السياسة يجيب على أسئلة السياسة، وحين لا يعرف المسؤول أو لا يريد أن يجيب يقول لا أعرف أو لا أريد اسألوا فلان..هذا ما تابعناه حين كنا نلتقي عدداً من المسؤولين الكبار هنا في أبو ظبي بمناسبة العيد الوطني الأربعين لدولة الامارات..
التقينا مسؤول دائرة التنمية الاقتصادية فشرح لنا هوية الاقتصاد في أبو ظبي وتجربتها المختلفة عن تجربة دبي، مبيناً الاسباب وحين سألناه في السياسة وما يتعلق بإيران قال: اسألوا وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان. كان محدثاً حافظاً لدرسه مدركاً معنى كل كلمة يقولها..هنا لا يقول المسؤول كلمة «يجب» وانما يطرح الخطة ويتحدث عنها..ويقدم الانجاز ولا يراهن على الوعود..
في الخطة القادمة يريدون أن تساهم القطاعات الأخرى غير النفطية بالنسبة الأغلب في الاقتصاد الوطني لتصل الى 64% ويبني التنوع الاقتصادي ليحفظ التوازن وهناك آفاق جديدة لتعظيم الاقتصاد في مجال البتروكيماويات والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والمالية..يوازي ذلك اعتماد الاقتصاد المعرفي وهذا يتطلب نظام تعليم أفضل وتشريعات أوضح وأعمق وأكثر استقراراً..
هنا يعملون على نقل المعرفة ويسخرون المال لذلك ويختارون أفضل الخبرات، صحيح أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أبطأت كثيراً من الخطط والبرامج ولكن من يرى انجازات السنوات الخمس الماضية في الامارات يذهل وما زال العمل يتتالى، وسلعة الاستقرار والأمن هي الاساس، ولذا عادت رؤوس الأموال والاستثمارات تتدفق الآن الى الامارات وخاصة دبي وأبو ظبي حيث تنساب الأموال العربية الهاربة من الربيع العربي وتأثيراته في العديد من الدول العربية إلى دولة الامارات وأيضاً هناك استثمارات بدأت تعود لتعوض عما تراجع قبل سنتين..هنا وصلت اعداد العمالة الوافدة لأكثر من أربعة ملايين وافد وهو عدد يشكل نسبة عالية جداً لعدد المواطنين وهي مسألة بدأت دولة الامارات تفكر فيها بجدية لاحداث توازنات تضمن المعايير الدولية واشتراطاتها وحقوق العمال الوافدين وفي نفس الوقت المصالح الوطنية للدولة..
الحوار كان ما زال مستمراً أيضاً مع محافظ البنك المركزي سلطان ناصر السويدي الذي أجاب على العديد من الأسئلة ليكشف شبكة واسعة من العمل المصرفي الذي يشكل عموداً فقرياً في الاقتصاد الوطني والقدرة على انتظام عمل البنوك المحلية والاجنبية واعادة بناء أسس للاقراض والودائع وتدفق السيولة..
الاسئلة الأكثر دقة كانت تسبق اجابات وزير العمل صقر غباش حيث الوزارة الأكثر تعقيداً والأكثر مسؤولية..
القرارات الحكومية تستهدف استدراج أفضل الخبراء وأفضل الخطط وانجاز أفضل المشاريع، فالجودة لا مساومة عليها ومن يرى البنية التحتية من شوارع وجسور وطرق ومشاريع ماء وكهرباء ومرافق سياحية ومن انفاق على قطاع الخدمات والصحة والطيران وحتى التعليم ومشاريع الطاقة والبرامج الأولية لبناء الطاقة النووية والشراكة مع دول مثل كوريا أو شركات عالمية عملاقة يذهل للقدرة على استيعاب ذلك من جانب الادارات الحكومية وقدرة القيادة على التوجيه وتحقيق الخطط..
صحيح أن المال هو الأساس في كل ذلك ولكن المال لم تصحبه الشفافية والنظافة والبعد عن الفساد فإنه لا ينجز كما رأينا في بلدان عربية أخرى ولكنه في الامارات ينجز بشكل لافت ليجعل من هذه الدولة نموذجاً..
في الساعات التي أعقبت اللقاءات زرنا مسجد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهو تحفة من تحف العصر يعكس اختلاط العمارة الاسلامية للمساجد وتنوعها وقد انفق عليه الكثير ليكون على هذا المستوى من الفخامة ولكنه ايضاً مصدر من مصادر الدخل والاقتصاد الوطني ونحن نرى تدفق المجموعات السياحية من كل أنحاء العالم لزيارته باعتباره أحد المنتجات السياحية في جانب من جوانبه.. وفي القفزات الاستثمارية والاقتصادية المدهشة أيضاً مشاريع جزيرة السعديات وهي جزيرة طبيعية بمساحة 27 كم² تزرع بمشاريع بمئات المليارات وقد أنجز بعضها والبعض الاخر في مراحل الانجاز وقد اطلعنا على ما انجز وعلى المخططات التي ما زالت تحت الانجاز..
لا يستطيع المراقب وهو يرى ضخامة الانجازات وسلاسة الحديث عنها والقدرة على شرحها وتقديمها الا أن يُقر أن التجربة الاماراتية هي في عداد التجارب العالمية المتطورة التي يعتز بها كل عربي فقد توفر المال والارادة للعمل والاخلاص في الانجاز فكانت المحصلة ما رأيناه وما يليق ان يحتفل به الاماراتيون في عيدهم الأربعين وهي مناسبة لجرد الحساب ومعاودة الانطلاق..
(الرأي)