الشعوب العربية تستعيد ذاتها وأوطانها
وجدت الشعوب العربية نفسها من المحيط الى الخليج بعد مضي أكثر من نصف قرن على دحر المستعمر البغيض, أن أوطانها مسروقة ومقدراتها منهوْبة وإرادتها مسلوبة من بعض العصابات التي استبدت بالسلطة وتتكلم العربية وتنتمي لأصول عربية وترفع راية العروبة .
إن الثورة العربية الناهضة التي كانت نتيجة لتراكمات جهود الوعي التي تبذلها حركات النهوض والتحرر على مدار عقود من الزمن, انفجرت كالبركان على مجموعة اللصوص وقطاع الطرق,الذين استغلوا شعوبهم واستخفوا بها, وشردوا الأحرار, وطاردوا الشجعان وعلقوا على أعواد المشانق رواد الفكر والوعي, ودجنوا المثقفين, واشتروا الأقلام,
ومارسوا أبشع أنواع التضليل والخداع على الجماهير المغيبة عن الحق والحقيقة .
ها هي الشعوب في تونس وفي المغرب وفي مصر يكتشفون أنفسهم ذواتهم, ويستعيدون الدولة والوطن, ونجحوا في أول استحقاق بعد الثورة, إذ أنهم أصبحوا مثل شعوب العالم يذهبون لصناديق الاقتراع في أول انتخابات غير مزورة, وغير معروفة النتائج سلفاً, لان الشعوب العربية تعودت سابقاً على أن قوائم الناجحين مطبوعة مسبقاً ومحفوظة في أدراج مدراء المخابرات العامة, وكان النائب المحظوظ يعرف مسبقاً انه من الناجحين, بل كان بعضهم يحتفل بالنجاح قبل ظهور النتيجة فيتم توزيع الحلوى ويتم ضرب البارود .
تنتصر الشعوب العربية في دولة بعد دولة, وأصبحت نتائج صناديق الاقتراع الحقيقية التي تمثل توجهات الناخبين الفعلية هي الأرضية التي يتم عليها وبموجبها تشكيل الحكومات التي لا تتحمل مسؤولية إدارة الدولة بشكل شامل, وأصبح زعماء الأغلبية يتقارضون مع الكتل الأخرى لتشكيل الحكومات القادمة على طريقة المشاركة الفاعلة من جميع الأطراف السياسية الناجحة التي حظيت بتمثيل شعبي صحيح .
إن الانتصار الباهر الذي حققته الشعوب في تونس والمغرب ومصر, وربما في ليبيا قريباً, هو بداية الاستقلال الحقيقي. لأننا وجدنا أنفسنا فيما سبق أننا لم نحظ بالاستقلال الصحيح, وإنما كان استقلالاً شكلياً, أبقى على حقيقة الاستعمار وجوهره, عندما رحل المستعمر, وخلّف أذنابه وعملاءه, وأصبح هؤلاء الزعماء يمارسون دور العدو المحتل, ويقترفون جرائم بشعة بحق شعوبهم عن طريق
تزوير إرادتهم العامة والفردية, وهل هناك جريمة أشد بشاعة من جريمة تزوير إرادة الشعوب, التي تحاكي جريمة الاحتلال الأجنبي, لان الاحتلال في حقيقته عبارة عن مصادرة إرادة الشعب المهزوم .
إن الانتخابات الحرة والنزيهة التي تجري في بلدان ثورات الربيع العربي اليوم, هي اقوى رد على هؤلاء المشككين, الذين ما زالوا غارقين في أوهام اليأس والهزيمة الفكرية, ليصفوا ثورات التحرر العربي الجارية, بأنها مؤامرة امبريالية أمريكية على الأنظمة الثورية العربية .
الشعوب العربية كلها اكتشفت الحقيقة, واكتشفت حقيقة الأنظمة الثورية, التي مكثت عقوداً من الزمن وهي تختبىء خلف شعارات ثورية فضفاضة, لها رنين اطرب البسطاء والسذج جزءاً من الوقت, ولكنها الآن أصبحت عارية تماماً أمام وهج الحقيقة, ويبين أن الزعماء عبارة عن حرّاس على حدود الفرقة بين الأقطار العربية وعبارة عن نواطير على مصالح الغرب والمستعمر الأجنبي .
واكتشفت الشعوب مرة أخرى أن البطولة التي تدعيها الزعامات العربية ما هي إلاّ بيت العنكبوت, وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت, عبارة عن هالة كاذبة لا تقوى على اختراق الحقيقة, وتبين أن هؤلاء الجلاوزة الذين مارسوا دور الجلاد على شعوبهم الضحية, يصدق فيهم قول الشاعر:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة فتغار تفر من صفير الصافر.(العرب اليوم)
