الإسلاميون والسلطة

اعتادت القوى السياسية المختلفة على أسلوب الأنظمة العربية البائدة والمرشحة للإبادة بإبعاد القوى الإسلامية عن السلطة بالعنف والقوّة أحياناً, وتزوير إرادة الناخبين والعبث في صناديق الاقتراع أحياناً أخرى, وبعض الأنظمة لم تسمح للإسلاميين بإنشاء أحزاب سياسية, ولم تتفضل عليهم بمنحهم شرعية العمل السياسي وشرعية المنافسة في الانتخابات شبه الديمقراطية, أو الشكلية في تسميتها الحقيقية, وبعض الأنظمة عمدت إلى اجتثاث الإسلاميين من البلاد اجتثاثاً, وليس فقط حرمانهم من العمل السياسي بل أصدرت تشريعاً بالحكم بالإعدام على كلّ من ينتمي لهذه القوى الإسلامية, وما زال هذا التشريع قائماً حتى هذه اللحظة في زمن الربيع العربي.
لا أريد أن أسترسل في شرح أساليب الأنظمة العربية في التنكيل بالإسلاميين في الحقبة الماضية, والعمل على حرمانهم من الظهور والبروز والمشاركة, بل العمل على حرمانهم من حق المواطنة العادي مثل حق كل البشر في العيش والحياة, بل هناك خطط وضعت لتجفيف منابعهم وحرمانهم من ممارسة العمل الاجتماعي والخيري والطوعي; لأنّ في ذلك طريقاً للحصول على الشعبية والجماهيرية, والأدهى من ذلك إطلاق الإعلام وبعض الإعلاميين لممارسة هواياتهم في التشويه والتجريح, وكيل الاتهامات بالتآمر مع قوى الاستعمار, ووصفهم بالتشدد والتطرف والأصولية, والانغلاق, والتخلف, وأنّهم يريدون إرجاع الأمّة إلى الخلف قروناً من الزمن, إلى زمن البعير والخيمة والسيف والعبيد والإماء وكل ما تجود به قريحة الكتاب والأدباء المرتبطون بهذه الأنظمة إمّا فكراً أو مصلحة, أو ارتزاقاً ونفاقاً, أو اشتراكاً في كره الإسلاميين, على طريقة "عدو عدوّي صديقي".
يمعن بعض الكتاب المنتسبين إلى هذه الأنظمة في تخويف الناس والشارع العربي, وأجيال الشباب من مجيء الإسلاميين إلى الحكم والسلطة, وأنّه يشبه الكارثة إن لم تكن الكارثة بعينها, وفي حواري مع أحد هؤلاء الذين يتفننون في رسم صورة الإسلاميين الكاريكاتورية في ممارسة السلطة, وأول ما يخطر على بالهم أنّ الإسلاميين سوف يضعون حواجز ودوريات شرطة على مداخل المدن ومخارجها, ويحملون مساطر ومقاييس ومقصات وجلابيب وشوادر, من أجل التنفيذ الصارم لمجموعة القوانين التي تلزم الرجال بتربية لحاهم, ولبس الدشاديش القصيرة من دون سروال طبعاً, وإلزام النساء بالحجاب والنقاب والشادور الأفغاني الذي يشبه الخيمة المتنقلة, ويتخيل هؤلاء الكتاب أنّه كيف يتم إنشاء فرق من الشرطة السرية لملاحقة حليقي اللحى, وملاحقة النساء غير المحجبات, وليس هذا فحسب بل سوف يصبح على كلّ تقاطع طرق وعلى كلّ إشارة ضوئية مفرزة شرطة, تنزل الركاب طوابير ويمرّون على صاحب المسطرة الذي سوف يقوم بقياس طول اللحية وكل من قصرت لحيته عن القبضة الموصوفة بالقانون, سوف يتم جلده أمام المارّة, أو أن يدفع به إلى السجن ولا يتمّ إطلاق سراحه إلاّ بعد التأكد من نموّ لحيته إلى الرقم القياسي الذي ينص عليه القانون, وهناك مفرزة أخرى تعنى بالدشاديش, وسوف ينزل الشرطي ليقيس المسافة بين أسفل الثوب والكعب, بحيث لا تقلّ عن (30سم), وكل من أطال دشداشه عن هذه المسافة المحرمة, سوف يعمد شرطي آخر يقبض بالمقص ليعمل على قصّ الثوب بطريقة عشوائية غير مهذبة.
هذا المشهد غير المشهد المتعلق بالنساء طبعاً, فتلك رواية أخرى, لا يتسع المقام لشرح حيثياتها!!.
هؤلاء الكتاب الذين اعتادوا على قانون (الأنظمة) الطبيعي, استمرأوا هذا الوضع, وتكيفت عقولهم ونفوسهم وشاعريتهم وأدبهم مع ما تفعله الانظمة العربية الحاكمة, ولذلك لا يستطيعون تخيّل مجيء الإسلاميين إلى السلطة أو المشاركة فيها, ولو كان ذلك عبر صناديق الاقتراع.
هؤلاء الكتاب يتخيلون الإسلاميين لا يقرأون ولا يكتبون, وليس عندهم تخصصات عديدة, ويتساءلون هل لدى الإسلاميين رؤية سياسية للحكم, وهل لديهم رؤية لحلّ المشاكل الاقتصادية, هل يعرفون الديمقراطية وكيف سيتعايش الإسلاميون مع العلم والحضارة والتكنولوجيا.
هؤلاء الكتاب هم نبت غربي أو شرقي يعيشون في الأرض العربية منفصلين عن الواقع, ومنسلخين عن الأمّة, يعيشون في كهوف الغربة والعداء لكل ما هو عربي ولكل ما هو إسلامي, يعيشون على القشور الحضارية للأمم الأخرى, يظنّون أنفسهم يملكون الحضارة ويمسكون بناصية العلم والتكنولوجيا وهم وحدهم الذين يعرفون عدد أحرف كلمة الديمقراطية ذات الأصل اليوناني البعيد المغرق في التاريخ... وضع هؤلاء الكتاب يستحق الرثاء..!!.
(العرب اليوم)