موازنة عامة استمرارية؟!

تدل الأرقام والنسب المئوية لمختلف المؤشرات أن مشروع موازنة الدولة لسنة 2012 القادمة سيكون أفضل قليلاً مما حـدث في عام 2011، ولكن هـذا المقياس غير كاف، فالسنة الحالية لا تصلح كنقطة ارتكاز تنسـب إليها أرقام السنة التالية، إلا إذا كان المقصود أنها موازنة اسـتمرارية مع تحسينات طفيفـة.
التحسينات الطفيفـة التي جاء بها مشروع الموازنة لا ترقى لمستوى عمليـة إصلاح ذات قيمة للوضع المالي، فأرقام ونسـب المشروع الجديد يجب أن تنسب إلى الوضع المستهدف والمطلوب، ويمكن اعتبار السيناريو المالي للأجندة الوطنية مؤشراً للاسترشاد به.
مطلوب تحقيق الحد الأدنى من شروط الاكتفاء الذاتي أي تغطية الإيرادات المحلية لكامل النفقات المتكررة للدولـة، وهو هدف متواضع سـبق تحقيقه قبل سـنوات، ولكن المشروع الجـديد سعيد بكون الإيرادات المحليـة تغطي 6ر84% من النفقات الجارية.
معنى ذلك أن المنح والقروض سـوف تغطي ليس كل النفقات الرأسمالية وحسب، بل سدس النفقات الجارية أيضاً، وهذا وضع غير مقبول بالمطلق في بلـد يريد تحقيق استقلاله المالي ليستكمل استقلاله السياسي.
نعرف أن الحكومة الجديدة لم تبدأ من نقطـة الصفر، بل تسلمت وضعاً صـعباً، وعليها أن تعترف بالأمر الواقـع وتنطلق منه باتجـاه الهدف المنشود، ولكن ذلك لا يعني القبول بالواقع وكأنه الأمر الطبيعـي والعادي.
من ناحية أخرى ليس هناك معنى لتخصيص حوالي مليـار دينار للنفقات الرأسـمالية إذا كان تمويلها سيكون بالقروض التي ترتب على الاقتصاد الوطني أعباء في تسديد الأقسـاط والفوائـد تزيد عن العوائد المنتظرة للمشاريع الرأسمالية، وبعضهـا لا يحقق أية عوائد بل يحتاج للدعـم المباشر.
خزينة الدولـة هي جيوب المواطنين، وفي وضع مالي صعب كهـذا لا يجـوز إعفاء المواطنين من تحمل نصيب من أعباء الخزينة يتناسـب مع قدراتهم على الدفع. هذا ما تلمـح إليه الحكومة دون أن تضع النقـاط على الحروف، فإذا كان الجزء الأكبر من الدعم يذهـب لغير المستحقين فلماذا يسـتمر بالصيغة الراهنة؟.
العجـز الحقيقي في مشـروع الموازنة الذي يلزم تغطيتـه من الدول المانحـة والدائنين يبلغ حـوالي 1900 مليون دينار أو 36% من حجم الموازنة أو 5ر9% من الناتج المحلي الإجمالي وهو عجز فادح وغير مقبول.
(الرأي)