فوز الإسلاميين في الانتخابات

منظرو السياسة الأميركية كانوا بعيـدي النظر فقد أدركوا في وقت مبكر أن حركات الإسلام السياسي في جميع البلدان العربية لها مستقبل، وأن الزمن لن يطـول قبل أن تتحقـق انتخابات حـرة، لا بد أن تظهر أداءً عالياً لهذه الحركات، وبالتالي يصعب تجاوزها.
من هنـا فإن الإدارة الأميركية مـدت جسـورها إلى تلك الحركات، وطمأنتها إلى قبول الإسلاميين كشركاء في الحكم مقابل الاعتـدال ومحاربة الإرهاب وقبول القواعد الديمقراطية.
هـذه السياسة أثبتت صحتها، فقـد فازت الأحزاب الإسـلامية فعلاً في كل من تونس والمغرب ومصر، وهي مرشـحة للفوز في ليبيـا والأردن، وفي كل بلد عربي تجري فيه انتخابات حـرة نزيهة.
هذا لا يعني أن هـذه الأحزاب اكتسحت الشارع السياسي، فالواقع أن شعبيتها الحقيقية تتراوح حـول 15% فقـط، ولكن عدم مشاركة 40 إلى 50 بالمائة ممن يحق لهم الاقتراع يرفع الحصة إلى 25 إلى 30 بالمائة من الأصوات الفعلية والمقاعد البرلمانية، وهي نسبة كافية لتحقيق الصدارة بالنظر لتشـتت باقي الأصوات الليبرالية والقومية واليسارية وتوزعها على عشـرات الأحزاب والحركات المتصارعة.
الحركات الإسلامية المنظمة، والعاملة تحت سـقف الدستور، والملتزمة بالديمقراطية والتعـددية، ليست يعبعـاً، فهي معتدلة من جهة، ومضطرة للائتلاف مع أحزاب علمانية لتشكيل الحكومة، وبالتالي فإن سلوكها في السلطة لا بد أن يكون مقبولاً للآخرين.
على العكس من ذلك فإن قادة الأحزاب الإسـلامية التي تنتقل من المعارضة السهلة وإطلاق الشـعارات إلى تحمل مسؤوليات الحكم تشـكل تحدياً كبيراً، فعليهم أن يواجهـوا ويعالجوا مشاكل الفقـر والبطالة وعجز الموازنة وارتفاع المديونية وتسـديد الأقساط و(الفوائد).
لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن تجربة عملية في المشاركة بخمسة وزراء في حكومة مضر بدران، وقد كانت التجربة وبالاً عليهم، فلم يكررونها بالرغم من أن جميع الرؤساء المكلفيـن كانوا يعرضون عليهم المشاركة، فالمعارضة وإطلاق الشعارات شيء ومواجهة الواقع وتحمل المسـؤولية شيء آخر.
سـلوك الإسلاميين الذين يصلون إلى الحكـم بالطرق الديمقـراطية كما حدث في تركيا، يختلف جذرياً عن سـلوك زملائهم الذين وصولا إلى الحكم عن طريق العنف وأقاموا أنظمة حكم شمولية وقمعية في إيران وأفغانسـتان والسودان وأخيراً قطاع غزة.
(الرأي)