ما بعد بيان الديوان

المدينة نيوز - البيان الذي أصدره الديوان الملكي بخصوص ملف أراضي الدولة التي سجّلت باسم الملك، والأسباب التي دفعت إلى ذلك، هو -وفقاً لمصادر موثوقة- ليس استثنائياً، بل منهجية عمل خلال الفترة المقبلة، إذ سيكون هنالك توضيح وردّ على ما يثار في الصالونات والأروقة أو من قبل معارضين! إذا كان الديوان قد أصدر توضيحاً فيما يتعلّق بتلك الأراضي، وهو أمر يخص الملك ورأس الدولة، فمن باب أولى أن ينسحب هذا الأمر على المسؤولين الكبار، السابقين والحاليين، وأموالهم التي تحصّلوا عليها، وعلى قضايا فيها شبهات الفساد، أرهقت شرعية الدولة خلال الأشهر الماضية، لأنّها لدى المزاج العام بمثابة "نهب للمال العام". موضوع الفساد ما يزال مؤرقاً للرأي العام، والقناعة التي وصل إليها سياسيون وخبراء تتمثّل في أنّ الدولة لن تستطيع أن تدشّن مرحلة جديدة، في سياق التحولات العاصفة في المنطقة، وأن تجدد شرعيتها وأن تعيد صوغ العلاقة مع المواطنين من دون أن تقدّم كشف حساب بما يثار حول الفساد لدى الرأي العام.
يرى أحد الاقتصاديين المسيّسين المخضرمين بأنّ جوهر الأزمة السياسية الحالية يكمن في ملف الفساد، وهو ملف عملياً مرتبط بقضايا رئيسة بعينها، معروفة لدى القاصي والداني، فإما أن نواجه هذه القضايا ونغلق الجزء الأكبر من هذا الملف-الكابوس، الذي لم يترك أحداً حتى طاوله وإمّا أن ننتظر حتى تلتهم الاحتقانات والأزمات المتولدة من تلك القضايا الدولة بأسرها.
الحل يكمن، وفقاً لهذا الخبير الاقتصادي، في أن تعهد الحكومة للجنة متخصصة من خبراء موثوقين محترفين، لديهم مصداقية كبيرة، بفتح تلك الملفات الإشكالية، ما لم تعرض بعد على القضاء، ما يرتبط منها بقطاع الاتصالات، وبخصخصة شركات معينة، مثل الفوسفات وتوليد الكهرباء والإسمنت، والنفط مقابل الغذاء، وملف أراضي الدولة لكبار موظفي الدولة (من خلال مراجعة سجل الأراضي والمساحة)، وأن يقدَّمَ تقييمٌ كامل لها. وإذا كان هنالك خلل قانوني وإداري يتم تحديد طبيعته، فيما إذا وصل إلى درجة الفساد أم لا، قبل أن يتم تحويله إلى القضاء.
بموازاة ذلك؛ فإنّ النواب قد قدّموا للرئيس طلباً بصوغ قانون "من أين لك هذا"، وهو مفتاح رئيس للتخلص من عبء ملف الفساد على علاقة الدولة بالمجتمع. والرئيس مطالب اليوم بأن يفي برده على مناقشات الثقة، وأن يتبنى تقديم مشروع هذا القانون، وتفعيله بعد إقراره.
قانون "من أين لك هذا" (أو الثراء غير المشروع) لن يهرّب الاستثمار، كما يزعم بعض المتذاكين، لأنّ أولويته ومهمته الأساسية ستنصب على المسؤولين الكبار الذين اغتنوا من وراء الموقع العام، وأصبحت ثرواتهم بالملايين، فهو قانون يهدف إلى الشفافية والمساءلة والمحاسبة، وجميعها من أسس "الحاكمية الرشيدة"، ومدعاة للتأكيد على قوة الدولة وقدرتها على تفعيل القانون وتطبيقه. جرّبت "دوائر القرار" في الآونة الأخيرة وسائل وأدوات مختلفة للحدّ من الحديث عن الفساد، فجاءت النتائج عكسية، فالحل الوحيد قبل أن نتأخر في الوقت وما يترتب عليه من أثمان مضاعفة، هو تقديم كشف حساب مع الفساد، من خلال خطوات حاسمة وملموسة.
المطلوب تسليم هذا الملف الكبير لشخصيات من الوزن الثقيل في النزاهة والمصداقية والاحترام، من إذا قالوا للرأي العام كلمةً في أيّ ملف، فهي كالسيف تقطع دابر الإشاعات والأقاويل وتضع حدّاً فاصلاً حقيقياً بين الفساد الحقيقي والانطباعي.(الغد)