من قتل عموّ نشأت؟!

المدينة نيوز - استشهد اخي الاصغر عام 1982 في سهل البقاع واثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان وكان كما قال الصديق الباقي محمود درويش يدافع عن جدار ليس له! وبقينا لثلاثين عاما لا نعرف شيئا عن ذلك الاستشهاد غير كونه كذلك، وبرصاص العدو.
ولسبب لا يحزره غير القلب فوجئت بان ابني اصيل قد تفرغ عامين او اكثر للتنقل بين سهل البقاع وبيروت ودمشق ودير الغصون وقابل خلال هذه الرحلة عشرات الاشخاص من ذوي العلاقة بالشهيد منهم رفاقه واصدقاؤه وزملاؤه في المدرسة كان اصيل في الخامسة من عمره عندما استشهد عمه نشأت، ويذكر انه كان اول من اهدى اليه ولاخيه اشرف لعبة "ليغو" واول عم "يراه الاثنان" لانهما بدلا اكثر من خمس عواصم اما السبب الذي لا يحزره غير القلب ولا يشمه عن بعد غير الدم، فهو ان اصيل كان يشك بان عمه قد استشهد اغتيالا..
نبش ملفات المستشفيات في بيروت وانتهى الى برّ اليأس، ليقرأ في احدى صفحات دفتر قديم.. ان عمه استشهد في المستشفى في العاشر من تموز عام 1982 بسبب حادث سيارة..
عندئذ قرر ان يهدي عمه لعبة ليغو من طراز اخر يصلح للكبار والبالغين فقط.. وبدأ فلمه الذي عرض البارحة في مهرجان دبي السينمائي بعنوان (عموّ نشأت).
اما الحكاية من اخرها فهي ان صديق نشأت ورفيقه الذي تعرض معه لذلك الاغتيال قال بانهما كانا يغادران ستوديو للتصوير في البقاع لانهما بصدد اعداد هويات وما ان اقتربا من الرصيف امام المحل حتى فوجئا بسيارة توشك على الطيران لفرط سرعتها ولم يكن ممكنا الهرب منها او فعل اي شيء وانتهى الامر بان سقط الاثنان.. نشأت عاش ساعات ينزف ورفيقه وقع في غيبوبة.. يقول رغم انه استيقظ منها إلا أنها سوف تلازمه الى القيامة كي يستأنف حواره مع الرفيق الغائب.
ثلاثون عاما ونحن لا نعرف هذه الحقيقة الفاجعة، فمن قتل نشأت ليس الاسرائيليون لكن بأمر منهم ومن نفذ القتل عرب من صلب الروم.
وحين فاجأني الابن بعد فراغه من المهمة الصعبة قلت له.. استشهد عمك مرتين مرة برصاص عدونا ومرة بسيارة ذوي القربى - سواء كانوا الأشد مضاضة او الاشد وضاعة او الانكى من الاعداء..
عندما اصطحبني الابن إلى القبر بعد ثلاثين عاما تفرغ خلالها عمه للسهر ومنادمة جذور الشجر والدهشة مما جرى، قلت له وأنا احتضن الشاهدة .. لم ينج أحد منا من الموت غيره وللحظة كانت الشمس فيها على وشك الغياب أو في لحظة الاصيل قلت لاصيل انظر ان قبره يشبه مهده تماما، اعرف اننا نعيش زمنا لا يذكر الناس فيه موتاهم او حتى شهداءهم اكثر من عام كما قال الشاعر التركي ناظم حكمت لزوجته نوار في رسالة من السجن، لكن ثلاثين عاما هي اقل من ربع ساعة بمقياس تقاويم اخرى لقد كبرنا جميعا ثلاثين عاما منذ ذلك الاجتياح ومنذ ذلك الاغتيال الا نشأت.. الشهيد المزدوج الذي ما يزال يقفز برشاقة من خلع جسده من البقاع الى دير الغصون لكنه لم يصل بعد!!(الدستور)