ماذا يعني التعاون النووي الروسي الأميركي؟
عقب الإعلان عن مبادرة الإدارة الأميركية الجديدة، والتي تضمنت دعوة روسيا لنزع 80% من أسلحتها النووية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، في إطار تأكيدات هذه الإدارة بأن واشنطن ستقوم بخفض الرؤوس النووية بنفس الحجم. أكد الرئيس الأميركي الجديد حرص إدارته على التعاون مع موسكو في مجال منع انتشار الأسلحة النووية، واعتبر أن هذا الأمر يدخل في قائمة أولوياته، وأضاف إنه يعتقد بضرورة أن تقود الولايات المتحدة جهود منع انتشار الأسلحة النووية حول العالم بالتعاون مع روسيا.
ويتنامى اعتقاد في موسكو بأن مبادرة أوباما بنزع الأسلحة النووية ستؤثر بشكل سلبي على القدرات الدفاعية الروسية، باعتبار أن خفض عدد الرؤوس النووية التي يحوزها الجيش الروسي إلى ألف رأس وفق الاقتراح الأميركي، سيجعل روسيا عاجزة عن اختراق الشبكة التي تحمي الولايات المتحدة من صواريخ مهاجمة. وفى حال تطبيق هذا الاقتراح ستفقد روسيا القدرة على ردع الولايات المتحدة إذا فكرت الأخيرة في شن هجوم نووي على روسيا. وستصبح موسكو عاجزة عن حماية نفسها من صواريخ صينية ذات رؤوس نووية.
بل قد يغرى هذا الوضع الصين باللجوء إلى القوة العسكرية لتسوية ما تواجهه من مشاكل تتعلق بملكية أجزاء من الأراضي مع روسيا. علما أن الصواريخ الصينية لا يزيد مداها عن 600 كيلو متر، لذا هي لا تشكل تهديدا للأمن الأميركي، إلا أنها تطال الأراضي الروسية.
الحقيقة أن المبادرة الأميركية ليست على درجة من الشفافية والنزاهة التي تتطلبها مهمة إنقاذ البشرية من مخاطر انتشار السلاح النووي، لأن واشنطن ولندن بدأتا العمل على صنع سلاح نووي جديد في بريطانيا تنفيذا لاتفاقية سرية. وقد صدم البرلمان البريطاني نبأ استخدام الموارد المالية الانجليزية لتمويل البحوث الأميركية الخاصة بالسلاح النووي.
حيث اعتبر النواب البريطانيون أن ذلك يحبط تمسك انجلترا بإجراء الأبحاث الخاصة بها في هذا المجال بشكل سري. وطالبت المعارضة بإجراء تحقيق مستقل في أبعاد التعاون النووي مع الولايات المتحدة وطبيعته. وقد لجأت الولايات المتحدة لهذا الحل، بعد أن حظر الكونغرس الأميركي زيادة الاعتمادات المخصصة للأبحاث الخاصة بتطوير الأسلحة النووية.
ويبدو أن المؤسسة العسكرية الروسية تدرك أبعاد هذه المقترحات، لذا لم تستبعد نشوء أخطار لا يمكن التصدي لها إلا بالتهديد باستخدام الترسانة النووية للبلاد، لذا أكدت هيئة الأركان الروسية على أنها تواصل تعزيز وتطوير العنصر النووي في اطار خطط الإصلاح العسكري، التي تستهدف بناء قوات محدودة العدد وسريعة الحركة ومزودة بأحدث الأسلحة والمعدات الإستراتيجية.
حيث تواصل البحرية الروسية التجارب الجديدة لنظام «بولافا» الصاروخي، وستبدأ تجارب إطلاق الصواريخ من الغواصة الاستراتيجية الذرية «دميتري دولغوروكي» خلال جولتها التي ستتم في مايو المقبل.
ولابد من الإشارة إلى أن مبادرة أوباما يمكن أن تعبر عن نوايا حسنة فقط عندما يتم ربط خفض الترسانة النووية الروسية بتراجع الإدارة الأميركية عن قرار نصب صواريخ اعتراضية قادرة على تدمير الصواريخ الروسية في شرق أوروبا قرب الحدود الروسية.
وفيما تراهن موسكو على إمكانية التوصل مع ادارة أوباما إلى تفاهم حول الدرع الصاروخية الأميركية التي تهدد أمن روسيا، ومعاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية، مازالت الإدارة الأميركية تحاول فرض مخططاتها على روسيا وأوروبا ومختلف أطراف المجتمع الدولي، الأمر الذي يهدد الاستقرار والأمن في العالم. ما يرجع بنا إلى مسألة العالم متعدد الأقطاب.
حيث ظهرت قناعة في روسيا، بأن إدارة أوباما ـــ في ظل الأزمة المالية العالمية ـــ بدأت تدرك أنه لا يمكن تحقيق مشروعها الخاص ببناء عالم أحادي القطب تشكل فيه الولايات المتحدة مركز القرار المتحكم في مصائر بقية الشعوب والدول، وقد كشفت خطط إدارة بوش السابقة التي قادت لصراعات أدت إلى الفشل في إحلال الاستقرار.
وفجرت العديد من البؤر الساخنة، ان منطق واشنطن الأحادي القطب كان السبب في تدمير مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، لذا لا يمكن الحديث عن تفاهم وتعاون لإحلال الأمن ونزع السلاح النووي ما لم نتفق على احترام مصالح وسيادة دول العالم ونقبل بمنطق تعدد القطبية.
* كاتبة روسية
البيان