نحو قانون جديد لتجريم العنصرية والتمييز

المدينة نيوز - سأبدأ اليوم، من حيث انتهى الزميل ياسر أبو هلالة بالأمس، وأدعو إلى سنّ قانون “يجرم العنصرية والتمييز العنصري”، استلهاماً لروح الدستور ونصوصه من جهة، وصوناً للأمن والاستقرار الأهليين من جهة ثانية، وأملاً في مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة من جهة ثالثة.
والقانون الذي نقترح، يجرم التمييز على أساس الأصل والمنبت والدين واللون والجنس، فلا يجوز، على سبيل المثال، أن تغلق مؤسسة عامة أو خاصة، أبوابها في وجه أي أردني على خلفية دينه أو جنسه أو أصله وفصله، فالمفاضلة بين الناس تحتكم إلى الكفاءة والخبرة والقدرة على الإنجاز، ولا يجوز أن يعامل أحدٌ معاملة تفضيلية استناداً لهذه “المرجعيات”، كما لا يجوز الانتقاص من حق أي مواطن وفقاً لها.
والقانون الذي نقترح، يُجرم “اللغة العنصرية” المبثوثة في ثنايا بعض التصريحات والمقالات والخطابات، من النوع الذي أشار إليه الزميل أبو هلالة محقاً، فهذه ليست من باب حرية الرأي والتعبير المكفولة (أو التي يجب أن تكون مكفولة تماماً بالدستور والقوانين والممارسة)، تصنيف المواطنين على خلفيات عنصرية، جريمة يعاقب عليها القانون، ويجب أن تكون الأعين مفتوحة حيالها.
والقانون الذي نقترح يميز بين حراك سياسي وطني ومطلبي، يضع في صدارة أولوياته مصالح البلاد والعباد من جهة، وجماعات تفتيتية من جهة أخرى، لا هم لها سوى قسمة المواطنين وتقسيمهم على غير ما يريدون ويشتهون، الحراك السياسي والشعبي رصيد للأردن وذخر له ورافعة من روافع تقدمه ونمائه وإصلاحه، أما الجماعات التفتيتية فهي مشروع فتنة كامن، تذكر بمثيلاتها في دول “نٌكبت” بصراعاتها الأهلية.
القانون الذي نقترح، معمول بمثله في أعرق الديمقراطيات في العالم، التي تجرم العنصرية والتمييز العنصري، لغة وممارسة، وتضع الآليات الكفيلة باجتثاثة وملاحقه أنصاره قانونياً، حتى وإن تدثروا بـ”حصانات وشرعيات” برلمانية وحزبية، بدلالة حملات المقاطعة والملاحقة التي واجهها عنصريون حتى بعد أن فازوا بغالبية المقاعد البرلمانية في انتخابات حرة ونزيهة، نمسا/ هايدر نموذجاً.
ما من مجتمع يخلو من جماعات عنصرية وخطاب قائم على التمييز، لكن الفرق بين مجتمع وآخر، يكمن في قدرة النظام السياسي والقضائي، قدرة المجتمع برمته، على تطهير نفسه من رجس العنصرية الكريهة، وعزل العنصريين الذين تسللوا إلى حاضر هذه المجتمعات، من صفحات غابرة ومظلمة في تاريخ دولهم ومجتمعاتهم، ونأمل أن نكون من بين المجتمعات التي تعرف كيف تحفظ نسيجها ووحدتها الاجتماعية والوطنية، بعيداً عن هذه اللغة المدمرة.
والعنصرية في الحالة العربية، تأخذ أشكالاً مختلف، فهي هنا طائفية ومذهبية، وهي هناك قومية أو إقوامية، وهي تارة ثالثة تنهض على استعباد المرأة والأقليات، وهي في حالات أخرى تعتمد المنابت والأصول، أساساً لفرز المواطنين والتمييز بينهم، كل هذا وذاك، يجب أن يجرم لا ثقافياً وسياسياً وأخلاقياً فحسب، بل وجنائياً كذلك، ومن هنا تأتي فكرة القانون المقترح لمحاربة العنصرية وكافة أشكال التمييز.
والقانون الذي نقترح ليس بدعة طارئة على هامش الجدل الوطني المحلي، فقد سبق وأن أثيرت مثل هذه المقترحات، وإن بصيغ وأشكال مختلفة، في أزمنة سابقة، عندما كانت تلوح في الأفق بوادر مبادرات إصلاحية، من نمط “الأردن أولاً” و”الأجندة الوطنية”، وكان الهدف على الدوام صون النسيج الاجتماعي الأردني من محاولات العبث به، وهي محاولات تصدر عن جهات مختلفة، ومرجعيات مختلفة، ومنابت متعددة.
والقانون الذي نقترح، يجب أن ينص من ضمن أشياء كثيرة، على تعريفات تفصيلية، دقيقة ومحددة، لأشكال التمييز، في الخطاب والممارسة، حتى لا تُمس حرية الرأي والتعبير، المصونة بلا شروط، بأي شكل من الأشكال، كما أن القانون المقترح يجب أن ينطوي كذلك على آليات للمتابعة والملاحقة، وأحكام متفاوتة ومتدرجة عملاً بفقه التشريع ومنطقه، حتى ننتهي مرة وإلى الأبد، من كل ما نردده من شكاوى يومية، في المؤسسات العامة والخاصة، وفيما نقول ونكتب.