جامعة الطفيلة.. الانفجار المنتظر!

المدينة نيوز - مشهد الاشتباكات قبل أيام بين الأمن والدرك المرافق لرئيس جامعة الطفيلة التقنية والطلبة المعتصمين، هو مشهد محزن ومخجل ولا نتمناه، ولا يجوز أن يكون في جامعاتنا، فهي مراكز للمعرفة والبحث العلمي والدراسة.
ما حدث ويحدث في جامعة الطفيلة وغيرها من جامعات أخرى، تتحمل مسؤوليته إدارات جامعية ليست مؤهلة للتعامل مع الطلبة واحتياجاتهم الحقيقية، وسياسات دولة طغى عليها المنظور الأمني من جهة، وسياسات الاسترضاء من جهة ثانية في تعيين الإدارات والطاقم التدريسي والموظفين، فانتهت الأمور إلى كارثة محقّة في هذه الجامعات.
منذ عام وطلبة الجامعة يطالبون بتحسين المرافق الجامعية وخدماتها من دورات المياه وقاعات المحاضرات والكفتيريا الرئيسة، وزيادة عدد المظلات، وبدليل للطالب الجامعي. وهي مطالب لا تصل مستوى الحدّ الأدنى المعروف لأي جامعة محترمة في العالم، لكنها غير متوافرة في هذه الجامعة، وبالمناسبة ولا في جامعات حكومية وخاصة أخرى.
بالفعل، الجامعات الحكومية العريقة، كالأردنية واليرموك، تعاني من قدم المرافق التعليمية وترهلها، فقد باتت بحاجة إلى عمليات صيانة وتطوير حقيقية، وهو ما يتطلب دعماً مالياً غير متوافر. أمّا المرافق الصحية من دورات مياه وغيرها فحدّث ولا حرج! ومع ذلك، فهذه الجامعات تعدّ في حالة ممتازة إذا نظرنا إلى جامعات حكومية أخرى، مثل جامعة الطفيلة التقنية أو جامعة البلقاء التطبيقية، التي تعاني كلياتها وأقسامها من افتقاد المطالب الرئيسة والحقوق الطبيعية للطلبة.
في لقاء مع رئيس وزراء سابق، كان يشكو من الترهل الإداري في الجامعات الحكومية والحمولة الزائدة من الموظفين، ويؤكّد أنّ الحكومة لن تدعم الجامعات ما لم تتخلص من أولئك الموظفين. لم يتوقف الرئيس أمام حقيقة أنّ أغلب هؤلاء قد تمّ تعيينهم، وأصبحت الوظيفة حقّاً مكتسباً لهم، عبر شراء الحكومة لولاء النواب في مجالس نيابية سابقة، لتمرير التشريعات والسياسات المطلوبة، فالحكومات هي التي خلقت مشكلات حقيقية بنيوية في الجامعات، وتتخلى فجأة عن مسؤولياتها.
ليس ذلك فحسب، بل ترهق الدولة الجامعات بأعداد كبيرة من الطلبة خارج قائمة القبول الموحد، وتمنحها في المقابل موازنات تكاد لا تكفي رواتب الموظفين، وتختار لأغلبها إدارات مرتبطة بالمحاصصة والاسترضاء، من دون النظر في مدى الأهلية الحقيقية والخبرة والكفاءة.
يمكن وصف ما حدث في التعامل مع مشكلة الجامعات الأردنية وأزمتها خلال الحكومات الأخيرة المتعاقبة بالاستهتار والتخبط والعشوائية، مما يجذّر الأزمات ويصعّب الوصول إلى حلول استراتيجية جذرية.
فوق هذه العوامل المتراكمة، لم تخرج الجامعات الحكومية والخاصة عن الوصاية الأمنية بعد، وما تزال مواقع إدارية رئيسة، كعمادة شؤون الطلبة، تخضع في أغلب الجامعات لاعتبارات العلاقة مع المؤسسة الأمنية، وهو ما جعل أحد مطالب اعتصام جامعة الطفيلة أن يتم انتخاب عميد شؤون الطلبة من قبل الطلبة.
ثمة روايات متضاربة ووجهات نظر مختلفة، وتفاصيل متباينة، لكن الصورة الحالية في جامعة الطفيلة يمكن اختزالها بأنّها مخرجات طبيعية لمدخلات خاطئة بالكلية.
لو كنت محل إدارة الجامعة لكنت شكرت الطلبة الذين جاؤوا منذ قرابة عام بمطالب محقة، ودعمتهم في ذلك وعزّزت من هذا التوجه في الاهتمام بالشأن العام والأكاديمي. أما ما وصلت إليه الأزمة قبل أيام فأمر مقلق تماماً لنا جميعاً، يتجاوز أسوار جامعة الطفيلة، وهو مؤشّر على أنّ الاحتقان وصل إلى مرحلة خطرة تتطلب حكمة وحنكة لا حلولاً أمنية قد تؤدي إلى نتائج عكسية.(الغد)